بين "دودين" و "دويوين" واخلاق وزير الإعلام ...
كتبت: اخــلاص القاضـي
تخطئ مذيعة "جديدة نسبيا" على "المهنة" باسم الوزير المسؤول حكماً عن قطاعها، وبدلاُ من أن تتدارك ذلك، من "صخر دودين" الى "دويوين، مكرر معجل"، اصرت على انه "دويوين"، فيعمد الاخير" مع حفظ اللقب" للاتصال بها، ودعمها "كما قالت"..
وما تقدم، "ما علينا"، يدل على الخلق الكريم للوزير، ولكن ذلك لا يعفي المذيعة أبداً من انها اخطأت ولم تقم على الاقل بمراجعة المحتوى كما يجب، وهنا لست ضد المذيعة ولا اعرفها شخصيا، "وجلّ من لا يخطئ"، ولكنها المثال الحي على الخطأ الذي لاقى الكثير من التعليق والاستغراب وربما التنمر من معظم الناس، وخاصة على "جروبات الواتساب" وغيره من التطبيقات.
وطبعا لا اريد "جلد المذيعة" لا قدر الله ولا معاقبتها من قبل اي من مسؤوليها، فمن أنا من الناس؟ ولكن هنالك حادثة مماثلة ليست ببعيدة زمنيا، عوقبت على اثرها المذيعة وجمدت عن العمل، فكيف يتم تقدير الخطأ والعقاب والثواب في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، لا ادري، بالطبع! وقد يقول بعضهم، "من كثر ما بيتغيروا وزراء الاعلام، ما لحقت المذيعة تحفظ الاسم، طبعا هذا عذر اقبح من ذنب، بكل الاحوال".
على المقلب الآخر، تقوم صحفية بدورها وواجبها المهني لاكثر من عشرين عاما، تحصل على جوائز عربية ومحلية، تتميز ببلدها وخارجه في مجال التدريب والاستشارات، ولكنها لا تتلقى اي اتصال او دعم او شكر "لو حتى مجاملة" من أي من وزراء الاعلام.
وهذا لا دخل له على الاطلاق بالرد الجاهز ممن يعانون من عقد النقص المركبة، وهو " غيرة اعلاميات وصحفيات ببعض"، حيث اصبحت حجة واهية يعلق عليها اختلاط المشهد وفوضى الالقاب وتبرير حداثة دخلاء المهنة بأي ثمن في سبيل الشهرة بقطع النظر عن الجهد في "مهنة المتاعب" التي تحتاج لكد وبحث واستقصاء ومصداقية والتزام وثقافة وتضحية ومسؤولية وطنية ومهنية واخلاقية عالية جدا.
وبين الخطأ "المدعوم"، والانجاز "المهمل"، ثمة معادلة ليست متكافئة، تشي بانقلاب معايير التقدير والمكافأة، فيصبح السائد هو الخطأ المشفوع بشهرة على منصات "السوشيال ميديا"، ليشتهر خطأ المذيعة بسرعة البرق، وليخبو الانجاز الحقيقي بين سطور"التحصيل الحاصل والواجب المهني الذي نتقاضى عنه الراتب الشهري، ليس الا" !
ما تقدم هو بمثابة " المقياس" لكل ما حدث ويحدث في البلد، اذا يعارض احدهم ويُعلّي النبرة، و" يُفشخ رأسه" فيصبح وزيرا، حيث لا معايير واضحة بكيفية انتقاء الوزراء الذي يجري عليهم التعديل بعد أشهر من انتقائهم، على أساس"الكفاءءءءءءة".
بيد أن الواضح ان الانتقاء على مدى عمر الحكومات، وخاصة الحديثة منها يتم عبر قنوات "الصحبة والصداقة والقرابة والنسب والمحاسيب في اطار ضيق"، ولا تفكير خارج هذا الصندوق المغلق، فيما يسمى ضمنا "نادي الوزراء" او " نادي الشطرنج الحكومي".
ليأتي التغيير ايضا على قاعدة "الاختلاف الذي ينبع من أصل كيفية الانتقاء"، وليس لان هذا الوزير او ذاك" لم يقم بواجباته الموكولة اليه على اكمل وجه" فحسب، ولسان حال سؤال الناس" ليش اجا الوزير الفلاني وليش طلع، الله واعلم".
تقوم أو يقوم احدهم بنشر "أي شيء, أي شيء" على صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكثرة ما يقوله او تقوله على"الفاضي والمليان"، بمرافقة الصور التي لا تنتهي و"المغشوشة بفلاتر التطبيقات"، والمعنونة بافكار لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث لا ثقافة ولا فهم باساسيات السياسة او الاعلام او علوم النفس والاجتماع وغيرها، فيتحولوا لناشطين سياسيين وفاعلين في "اللعبة" التي لا "يفهمها احد"، ومن يلعب على من؟ لا احد يدري!
ينشط احدهم بلعبة الفيديوهات عالية النبرة فيأتي وزيرا، ليكتشف الفرق بين التنظير وواقع الامر، لنكتشف معه ان الشعبوية غالبة على الفكر الحقيقي للانجاز، وعلى حقيقة القدرة على التغيير في ظل "شح الموارد وغياب الاستراتيجيات القابلة للحياة والتطبيق، ولهذا اطار مختلف للحديث، حيث ان "الحق عل الطليان" هو السائد!
تنشط معارضة الفيديوهات من الخارج، ومن الداخل ايضا، فيتحول هؤلاء المعارضون لابطال يحصدون مشاهدات بعشرات الآلاف، حيث يُشتمون ظاهريا، ولكن عدد المشاهدات تشي بعكس ذلك، فاين الحقيقة؟ هل ان اتباعهم يؤيدون ما يذهبون اليه، ام يحرصون على المتابعة، من باب الفضول، ليس الا؟!
ادرك تماما ان الفضاء الالكتروني مفتوح على كل الاحتمالات وكل المحتويات وكل الافكار، وان حرية التعبير مصانة، ولكل منا الحق فيما يقوله، طبعا وفقا لمسؤولية وطنية واخلاقية، ولمعلومات حقيقية وليس افتراءً وكذبا وتزويرا وبث السموم التي تحاول النيل من استقرار الاردن ومنعته.
ولكن كل ذلك يعيدنا للمربع الاول، وهو فوضى المعايير، فوضى الشهرة، فوضى "تلميع اشخاص لذواتهم" بعيدا عن حقيقة استحقاقهم لمنصب او لوزارة او لوظيفة، فليس كل ما يلمع عبر "السوشيال ميديا" هو الملاذ الآمن، في زمن طغى فيه صدأ الحديد على أصالة كل المعادن!
اذن آن الاوان لمراجعة كل المعايير: في التوظيف، في التوزير، في الثواب والعقاب، في تنفيذ الاستراتيجيات كما يجب، في اطلاق صافرة الانذار لحل معضلات البلد، كالفقر والبطالة والعنف الاسري والمخدرات والازمة الاقتصادية برمتها، والتي تعصف بنا من قبل الجائحة واثنائها، والاهم بعدها، حيث لم يعد زمننا كما قبلها على الاطلاق.
اعيدوا ترتيب الاشياء كما يجب ان تكون، وليس كما تفرضوها علينا، فقد مل الاردني منكم، ومن مراوحة الاصلاح للمكان والزمان، ومن الشعارات والاحتفالات الكاذبة، ومن الانفصام بشخصية السياسي الذي يُمجِد وهو على رأس منصبه،" او أن المنصب على رأسه"، ويلعن" الساعة يلي صار فيها مسؤول "، بعد احالته على التقاعد او الاستغناء عن خدماته، في اسطوانة ممجوجة ومكشوفة ومستهلكة ومقرفة.
كل التقدير للوزير الذي تصرف باخلاق الكبار، وللمذيعة التي اخطأت، وللوزير الذي فُشخ، فلا يوجد ما هو شخصي بيننا، وانا احترم كل الناس، واقدر كل الناس، على ان لا تؤخذ الاخطاء، وكأنها القاعدة وليست الاستثناء، ولا ان تُعبّد طرق الشهرة، والاستيزار، ب"جبر الخواطر"، الذي لم يعد ينطلي على الملايين من المثقفين والمتعلمين والمؤهلين والمراقبين والمحللين.
"وبعدكم بتسألوا: ليش الناس بالاردن مش عاجبها العجب"، والجواب: غيروا من ادائكم غير المجدي، لتحصلوا على نتائج مختلفة، فيما جاءت متلازمة "دويوين والفشخ" على سبيل المثالين لا الحصر، وعداها، حدث بلا حرج عن ظلم لحق الكثير ممن يستحقوا التقدير والترفيع و
المكافاة والترقية والمنصب والوزارة على اسس من العلم والاختصاص والكفاءة والرؤية والذكاء والتفوق.
مللنا لعبة "الكر والفر"، مللنا غياب المعيارية، مللنا مزاودات على الوطنية، مللنا تآكل كل شيء، ارواحنا، جيوبنا، وعود الحكومات التاريخية لنا بأن القادم اجمل، رغم ضيق الافق، وطول النفق ولجة عتمته، وصغر قُطر "عنق الزجاجة" حد الاختناق، مللنا تصريحات ظلم "بلاغة اللغة" التي يجوز بها اللعب على الكلام، وعلى الشعب في آن معا.