«هكذا كنا نفكر»… عبارة من الماضي و«ميكروفون» الاستقواء على «الدولة والمكونات» يتسلل مجدداً ...
عمان – «القدس العربي»: بسام البدارين
مسألتان مجدداً من الصعب تجنب الاشتباك معهما في حال الرغبة في تفكيك وتحليل المشهد الأردني بعد سلسلة مطبات ومحطات لا بد من التوقف عندها وتأملها سياسياً.
في المسألة الأولى، تبرز إشارات عملياتية جديدة على مستوى «الاستقواء» ضد شرائح ومكونات في المجتمع دون غيرها. بعد هجمة الانتخابات المهندسة وجدل المحاصصة والإقصاء، يعود على رافعة غامضة موسم التشكيك بوطنية رأس المال ودوافع المنتقدين للإقصاء والتهميش واتجاهات الداعين لاقتناص الفرصة الأخيرة في تكريس الإصلاح السياسي والتشريعي والاقتصادي الشامل.
لافت جداً للنظر أن فئات محددة تحركت فجأة في المشهد السياسي الأردني والإعلامي والمنصاتي لإنتاج جملة تشكيكية من الصعب تبرئتها، ولا علاقة لها هذه المرة بوضوح بالإقصاء الرسمي أو البيروقراطي، في مؤشر ملموس على أن الهدف قد يكون تبديد فكرة اليقين مجدداً ومنع الدولة لاحقاً من إعادة تقدير المحتوي السياسي الوطني الفارغ الآن، على حد تعبير نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي.
لافت بالتوازي أن المنشغلين اليوم بتصديع جدار الوحدة الوطنية وبإحياء جدل المكونات وبالسهر مجدداً على الغرق في علبة الاتهامات الكلاسيكية القديمة، الحصة الأكبر منهم شريحة تحترف ما يسمى بالمعارضة الخارجية، وأخرى تمثل بعض الحراكيين الذين يزعمون أنهم ضد الفساد ومع الإصلاح ويجتهدون في إنتاج الإيحاء بأن الإصلاح السياسي العميق جذره مجدداً «توطيني وخبيث» وأصله ليس أكثر من محاولة للاعتداء على هوية البنية العشائرية.
ذلك وهم يراد تسويقه وسط البسطاء، فمع معارضين أو حراكيين يخاصمون الدولة على هذا الأساس لا تحتاج الدولة نفسها إلى خصوم وأعداء، ما يعني أن بيئة الاتهام والتشكيك تتغذى أحياناً على أوهام من يرتدون قميص المعارضة أو الحراك.
هل هي صدفة أن يثار، منهجياً، النقاش حول مشروع يهدد الهوية الوطنية الأردنية الآن؟
سؤال صعب، لأن الجهات التي تتحرك في هذا السياق غامضة وتحترف الاصطياد باسم الرأي المستقل، لا بل تتقمص دور ضحايا الخط الرسمي.
لكنه سؤال مهم، فمن يجتهد اليوم في التشويش على مضمون الوحدة الوطنية ليس من الصدفة أنه يتحرك بالتوازي مع عودة إنشائيات ولفظيات الإصلاح السياسي وتغيير قانون الانتخاب وعدالة التمثيل والإنصاف والكفاءة إلى القاموس الرسمي وفي أرفع مستويات القرار والدولة الأردنية، فقد أمر الملك عبد الله الثاني شخصياً بمراجعة تشريعات الإصلاح السياسي، وتحدث ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله عن ثلاثية المستقبل، وضمنها الكفاءة والعدالة، وبدأت روايات الحكومة المستهلكة في عدة اتجاهات بعيدة تماماً عن إمكانية تصديقها.
هذا وضع محرج -في رأي النقيب الزعبي- وهو يتحدث لـ«القدس العربي» عن الأهمية القصوى لإعادة قدر من الاحترام لمضمون العمل المدني في البلاد، سواء على الصعيد النقابي أو على الصعيد الحزبي وبيوت الخبرة.
لا أحد يريد أن يسمع، ورغم أن مسألة تمثيل المكونات لم تطرح إطلاقاً وبقيت في مستوى الاحتقان، لا من مجموعات نشطة ولا من رجال أعمال ولا من ضحايا الإقصاء الحقيقي، إلا أن انتشال ما تيسر من مبادرات في الماضي أصبح أقرب إلى موضة يركب موجتها حراكيون ومعارضون في الخارج، وفي بعض الأحيان أدعياء تمثيل العشائر والتي تمثل نواة الدولة الصلبة، ولا أحد يزاحم دورها، لا بل يحترمها الجميع.
حصل ذلك بشكل مريب بالتتابع، وعلى أمل النفخ بقصة تيار غير موجود يتحدث عن حقوق منقوصة، وانتشلت هنا رسائل لمبادرات سابقة من 9 سنوات مع كل الادعاء بأنها تبرز حالياً وتخاطب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
يحدث ذلك في مسألة الجدار الاجتماعي الواحد لسبب ما، بتقدير عضو مجلس الأعيان والباحث الأكاديمي الدكتور مصطفى الحمارنة الذي ناقش «القدس العربي» في بعض التفاصيل، مشيراً إلى أن الإفتاءات ينبغي أن تتوقف، وأن أصحاب الرأي الذي ينتج خللاً ويحاول الاستقواء على الجميع ينبغي أن لا يُترك الميكروفون في أحضانهم، فواجب الجميع – في رأي الحمارنة- الاشتباك إيجابياً مع الوطن وقضاياه وملفاته، والحرص على نبذ أي دعوات تفتيتية تستثمر في أزمة. «هكذا كنا نفكر».. هذا ما يقوله وهو يقلب في معية «القدس العربي» صفحات الدراسة الفريدة التي أنجزت عام 1995 وحذرت من مطبات أصناف السجال الحالي، وكلفتها على المجتمع والدولة، مع أنها دراسة تحت عنوان تقييم وتشخيص عميق وجذري للعلاقة الأردنية الفلسطينية. وهي دراسة يثبت بعد تقليب صفحاتها بأنها تحدثت عن المخاوف الباطنية في ذلك الوقت، وحذرت من كمائن التشكيك، وقدمت توصيات محددة للمعالجة. ورغم ذلك، وللأسف، يغرقنا البعض -على حد تعبير الحمارنة- بالنقاش المعتل المريض نفسه بين الحين والآخر.
حصل ذلك عندما التقطت رسالة باسم المبادرة الأردنية للمواطنة المتساوية، وتم التعامل معها وقصفها واعتبارها معنية بمنظومة وهمية اسمها «الحقوق المنقوصة» مع أنها صدرت عام 2012 وتضمنت رؤية قانونية وقدمت بلا أسماء كخدمة للوطن والمجتمع والدولة، وليس كموقف سياسي، خلافاً لما ادعاه معارضون خارجيون أو بعض دعاة توحيد الحراكات في الداخل الأردني.
حصل ذلك أيضاً مع مقالات منشورة قبل 10 سنوات لكتاب بارزين، ولاقاه برلمانيون عندما فكر أحدهم بإعادة نشر تغريده ليست أكثر من عبارة شعرية للراحل محمود درويش. يزيد التشكيك تحديداً في المكون الفلسطيني ورموزه في الإعلام ورأس المال والسياسة، دون سبب حقيقي.
هنا تحديداً تبرز المسألة الثانية التي لا يمكن أيضاً إسقاطها من حسابات الإنكار؛ فكل أسطوانات التشكيك بالتوطين والتطبيع والاستقواء على العشائر وخطف الدولة تعقب، للصدفة المحضة، أدبيات التحول السياسي والديمقراطي الذي يحبو الآن وكلاسيكيات لفظية تتحدث عن مراجعة الإصلاح السياسي وقانون انتخاب جديد وهيكلة في المنظومة الأمنية.
يسأل القطب البرلماني خليل عطية، أمام «القس العربي»: كيف تسلل في مثل هذه الظرف مجدداً نشاط يريد إعادة الأردنيين إلى المربع الأول ويساند نزع اليقين وترويج التشكيك؟