الفنان الفلسطيني محمد بكري: أعتز بالجائزة ودرويش… والاحتلال لن يهزم الطفل في داخلي
بيروت – «القدس العربي»: إلى جانب اختياره من قبل وزارة الثقافة الفلسطنية شخصية العام الثقافية 2020، كان الفنان والمخرج محمد بكري هو الفائز الفلسطيني بجائزة محمود درويش للإبداع في دورتها الثانية عشرة للعام 2021.
ورد في مسوغات منحه الجائزة حسب ما ذكرته اللجنة، أن المخرج السينمائي محمد بكري فاز بالجائزة، نظراً لجهوده السينمائية والتوثيقية للقضية الفلسطينية، والنضالية بالخصوص في فيلمه «جنين.. جنين» الذي يوثق مجزرة مخيم جنين خلال اجتياح «السور الواقي» عام 2002. وقالت إن بكري دافع فيه عن الحرية كقيمة إنسانية، والحق الفلسطيني في الحياة وأبرز في فيلمه التوثيقي جانباً مهماً من المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني في مواجهته وحشية الاحتلال، وفضح الفعل العسكري الإجرامي، المسلط عليه. وكانت محكمة الإحتلال قد منعت الفيلم، وحذفت روابطه من شبكات التواصل الاجتماعي، وصادرت جميع نسخه. وتأتي الجائزة اعترافاً بالجهد الفني والثقافي الذي بذله المخرج، وتضامناً مع نضال الشعب الفلسطيني ومع بكري الذي يتعرض للمضايقات والتهديد بالمتابعة القضائية العسكرية.
بمناسة نيله للجائزة واستئنافه للحكم الصادر عن المحكمة بحقه وحق الفيلم هنا حوار مع محمد بكري:
□ نلت حديثاً جائزة محمود درويش للإبدع. ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
■ تعني لي الكثير، فمحمود درويش عزيز المقام في قلبي ووجداني. أذكر قبل 15 سنة من الآن أن محمود درويش كان يرأس اللجنة التي منحتني جائزة فلسطين للسينما، والتي تسلمتها من يدي الشهيد الراحل ياسر عرفات، من على منصة جامعة النجاح في نابلس. جائزة محمود درويش أعتز بها، ولها وقعها الخاص لأنها تحمل اسمه. أشكر القائمين عليها واللجنة التي اختارتني. كما وأشكر فلسطين وأشكر محمود درويش.
□ ما الجديد على صعيد إستئناف الحكم الصادر بحقك وبحق فيلم «جنين جنين» من دولة الإحتلال؟
■ تقدمنا بالإستئناف قبل أيام ضد حكم المحكمة المركزية التي أدانتني وغرمتني بمبالغ طائلة، وصادرت نسخ الفيلم من البلاد. ونحن ننتظر القرار الجديد.
□ هل توقعت هذا الحكم بحق فيلم «جنين جنين» ومحمد بكري والذي وجد استنكاراً واسعاً؟
■ توقعت كافة السيناريوهات. فالقانون في اسرائيل بما يخصنا نحن الفلسطينيين يشبه «المغيطه» كما كان يردد أبي. قانون تشده المحكمة أو ترخيه على هواها. بما يتعلق بنا كفلسطينيين وبما يتعلق بالبقرات المقدسة لدى الإسرائيلي، فالبقرة الأولى: الأمن
الثانية: الجيش. الثالثة: المحرقة النازية. الرابعة: الأرض والمسكن. والخامسة: وتتمثل بسياسة هدم المنازل العربية غير المرخصة، لأن دائرة التنظيم والبناء لا تسمح بالبناء. وهناك حوالي أربعين قرية عربية فلسطينية غير معترف بها .
السادسة: قانون القومية وحق العودة الذي يمنع أي فلسطيني من العودة إلى فلسطين.
شيء واحد لم أتوقعه هو منع الفيلم ومصادرة نسخه، وهي ممارسات حصلت في القرون الوسطى وإبان محاكم التفتيش، وكذلك عندما دمّر المغول مكتبة بغداد.
□ هل زودتك ردود الأفعال بعد الحكم بقليل من العاطفة؟
ـ نعم أدفأت قلبي. ردود الفعل الغاضبة لدى أبناء شعبي، وإلى جانبهم جميع المتنورين، على هذا القرار المجحف زادتني عزماً وإصراراً للمثابرة على الطريق نفسه. وجعلتني اشعر ان هناك من يقدر التضحيات.
□ هروب جنود اللواء الذي اقتحم مخيم جنين من مشاهدة جرائمهم التي وثقها الفيلم أليس شهادة يمكنك استثمارها في الإستئناف؟
■ لست في حاجة لهروبهم من المسؤولية لأدعم حقي المشروع. ولكن ربما ستُقدم شكوى من اهالي مخيم جنين إلى المحافل الدولية لمحاكمة من يحاكمني الآن. ومن جهتي لم اصنع فيلما عن الجنود الاسرائيليين بل عن اهلي الفلسطينيين في المخيم.
□ قريتك «البعنة» في الجليل تضامنت معك بحب؟
■ فرحت بكل من تضامن معي في قريتي. وأهلها وغيرهم من ابناء شعبي لم يقصروا معي. وفرحت بموقف أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة ورئيس لجنة المتابعة العليا. وفرحت بشيخ القرية نور بدران الذي تطرق الى القضية، وإلى قرار المحكمة الغاشم في خطب الجمعة اربع مرات .
□ في العام 2020 اختارتك وزارة الثقافة الفلسطينية «شخصية العام الثقافية» وفي العام 2021 جرّمك الإحتلال لأنك شوهت استباحته «الرسولية الطوباوية» لمخيم جنين. هل أنت نجم في الحالتين؟
■ شرّفتني وزارة الثقافة بإختياري شخصية العام الثقافية للعام المنصرم. وشرّفني أيضا تجريمي من قبل دولة الاحتلال وفي كلتا الحالتين حصلت على هذه الشهادة. فالمحكمة وحكمها جعلاني أكسب عطف ابناء شعبي الذي تمثل باختياري من قبل وزارة الثقافة لشخصية العام 2020 الثقافي.
□ لماذا ختمت فيلم «جنين جنين» بمشهد كوميدي وحوار هاتفي إفتراضي مع الأمين العام للأمم المتحدة؟
■ لاني مع البسمة رغم كل المآسي. الحياة أقوى من الموت والأمل هو في الابتسام. نعم أنا متفائل بإختياري وبإمتياز.
□ كيف خطر لك فيلم تصوير جنين جنين؟
■ لم يخطر لي عن سابق تصور وتصميم. بل حدث أن أعتُدي علينا أثناء مظاهرة شمالي جنين، حيث قرر أحد الجنود الإسرائيليين على حاجز الجلمة اطلاق النار على المتظاهرين استنكاراً لإجتياح المخيم، والتي حُبِس خلالها القائد الشهيد ابو عمار في المقاطعة الى ان قُتِل. كنا مئات من العرب واليهود الناشطين مرّ جندي إسرائيلي وبدأ باطلاق النار علينا عشوائياً. اصيبت صديقتي الممثلة فالنتينا ابو عبثه. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير وجعلتني أدخل المخيم مع الكاميرا لتوثيق كل ما تقع عليه عيناي.
□ بتّ مع جان جينيه موثِقين لجرح فلسطيني ساخن وطازج الأول في صبرا وشاتيلا نصاً وكتابة، وأنت في جنين عبر الصورة والصوت. متى يفتح العالم نظره على الواقع؟
■ عندما نجيد كتابة ورواية روايتنا. عندما نتحرر ونحرر انفسنا من الانغلاق على ذاتنا والبكاء على انفسنا. وعندما ننبذ الشعارات ونجيد فنياً وابداعياً ان نروي روايتنا الفلسطينية الحقيقية بشفافية ودون رتوش.
□ وهذا الرواية أجدتها أنت في فيلم «جنين جنين» وحدث ما حدث. ما رأيك؟
■ نعم أجيد روايتي، وهي موجهة للإسرائيلي وللعالم. والعالم ليس اسرائيل. العالم يسمع روايتي الممنوعة في اسرائيل. وهذا لا يعني أني لم أنجح في تقديم هذه الرواية. الرقابة العسكرية وحكومة اسرائيل منعاني من إيصال روايتي. اوجه روايتي للناس والبشر أياً كانوا وأينما كانوا. لذلك حاولوا قتل روايتي وهي «جَنين» في فيلم «جنين جنين». وهذا ليس مؤشراً بأن روايتي لم تنجح. روايتي نجحت وستنجح إن شاء الله. فالمحاكم مستمرة، وسنرى ماذا سيحدث في محكمة العدل العليا قريباً.
□ متى ستصبح الشهادتان بمتناول المتلقين حول العالم وبحرية تامة؟ هل أنت متفائل أم متشائل؟
■ كما ذكرت سابقاً عندما نتعلم كيف نروي روايتنا بشفافية وانسانية، وعندما تعلو البسمة شفاهنا تزامناً مع تتساقط دموعنا، وعندما نستمد الأمل من عنقاء الرماد، سيتحقق ما تسألينني عنه بكل تأكيد.
□ بالعودة إلى مخيم جنين فهل زرت المخيم بعد إنجاز الفيلم؟ وهل التقيت الطفلة التي شبّهت المخيم بالشجرة الشامخة؟
■ طبعا زرت المخيم والتقيت بشخصيات الفيلم أكثر من مرة. اثناء وبعد الفيلم قابلت «نجوى» الفتاة الصغيرة، التي صارت أماً لأربعة اطفال، ونحن نواصل.
□ رغم بطش المحتلين تحلّى الفيلم بالكثير من الأمل بحضور الأطفال، والولادات، ومشهد النمل، والأفق البعيد فوق الدمار. هذا هو محمد بكري؟
■ نعم هذا انا الطفل محمد بكري الذي لا يستطيع أي إحتلال في العالم أن يهزمه، ولن يستطيع قتل طفولتي. وهذا ما صرّحت به من على منصات المهرجانات التي حصدت فيها جوائز عن فيلم «جنين جنين» وغيره من الأفلام. اذكر منها مهرجان لوكارنو حيث قلت: لن يستطيع شارون أن ينتصر على الطفل الذي يسكنني. وهذا ما قالته الطفله «نجوى» عندما سألتها كيف تستطيع ان تنتصر على شارون؟ قالت: بإرادتي.
□ أين عرض فيلم «جنين جنين» وما هي الجوائز التي نالها؟
■ نال فيلم «جنين جنين» جائزة التانيت الذهبي كأفضل فيلم في مهرجان قرطاج السينمائي سنة 2004. بخلاف هذا المهرجان لم يُعرض الفيلم في سواه. مُنع من العرض في المهرجانات بتأثير الضغط الإسرائيلي. ومُنع أيضاً عبر الضغط الإسرائيلي من العرض عبر شاشة «آرت» الأوروبية. وحده تلفزيون المستقبل في لبنان عرضه ثلاث مرّات، إلى جانب تلفزيون فلسطين. وبغير ذلك لم يعرض على أية شاشة لدولة عربية.