عمي ابو جابر
كان هنا قبل قليل؛ يملأ الشوارع صهيلاً و زئيراً..كان إذا يمشي تمشي معه فلسطين ولبنان والعراق وكل أسلحة الثوّار؛ بل الثوار أنفسهم يتناوبون على لسانه وحكاياته .. كان يناديني بـ "مانديلا" كنتُ أضحك حدّ الدموع.
رحل قبل ثلاثة أيّام؛ إنه رحيله الأخير والرحلة إلى الله؛ هناك في الأعالي؛ عند الثوّار الذين سبقوه؛ عند أحبابه من الأقربين ومن الشهداء.. لله درّه وهو طوال حياته يصل إلى بوّابة الطريق إلى الله؛ لكنّ البوابة لم تفتح له إلاّ قبل قليل.
لا تحسبوا الذي مات قبل قليل رجلاً قليلاً؛ بل هو كثيرٌ؛ أكثر مما تعتقد الصحراء وأكثر مما يعتقد الخائفون يوم جرد الحساب.
إنه أبو جابر؛ عمّي الذي خاض منذ وعى دوروباً لم يعرفها إلا الراسخون في السر. بنى خرائط وأقام مكبرات صوت حين كانت الطريق تيهاً وكان الصوت صمتاً.
كان وزير إعلامنا، لم يدخل مدارسه وجامعاته، استاذاً في فقه الخبر، مطيعاً إذا عانده ذوو القربى، عنيداً إذا صالت صولة الحق ولا بد من خوضها فيفر إليها ويظفر بها ومعها.
حين يقال "أبو جابر" عند الذين يعرفونه ويعرفون صناديقه فإن للقهوة طعمها اللذيذ التي تفتح تلك الصناديق ولسرد حكاياته شهيّات لا تنتهي، وقد كان مقاوماً منذ وعيتُ عليه، أستمدُّ منه - دون أن يعلم -علمي ومعرفتي، وأسرق منه -حين أغافله - وروده البيضاء والحمراء والصفراء. كان جيشاً إذا هاجم؛ فرداً واحداً إذا سالَم.
لروحك كل الطمأنينة وأنت ترقد الآن في أرض "الكرامة".. ولأسرارك في الثورة و المقاومة مقامات سيأتي يوم كشفها؛ وسيعرف التائهون أيّ رجلٍ أبكيه الآن؛ فهو يستحق أن أبكي عليه ويبكيه معي كلّ من ظفر بجلسة واحدة معه..!
قل لله يا "أبو جابر": تركتُ الناس بانتظار فرجك يا رحيم.