نتنياهو ثعلب ومنافق لكني صوّتت له... لمن أعطى فلسطينيو 48 أصواتهم؟

جرت أمس، الثالث والعشرين من شهر آذار/ مارس 2021 الانتخابات الإسرائيلية الرابعة، خلال سنة ونصف، للكنيست الـ24. حدثت خلالها العديد من التغيرات والاختلافات بين الأحزاب اليمينية الاسرائيلية التي فشلت في تركيب حكومة خلال ثلاث معارك انتخابات متتالية، كذلك أدت إلى تفكك القائمة المشتركة العربية (التي جمعت التيارات السياسية الفلسطينية في الداخل) إلى قائمتين منفصلتين؛ "المشتركة" و "الموحدة". ثلاث معارك إنتخابية، في أقل من سنتين، كانت على ما يبدو كفيلة بأن تُبقي كثيرين في بيوتهم، فقد وصلت نسبة التصويت في المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني، على حد سواء، إلى 67.2%، وهي النسبة الأكثر انخفاضاً منذ عام 2009.
أما الاستعراض اللافت في هذه الانتخابات فكان من أداء نتنياهو وحزبه الليكود من خلال استغلاله لهذا التفكك الفلسطيني واستثمار دعاية انتخابية ضخمة في البلدات الفلسطينية وشعارات مثل "كلنا معك أبو يائير"، و"نتنياهو قائد". ذهاب الأصوات الفلسطينية إلى الأحزاب الصهيونية ليس بالأمر الجديد، لكن مع هذا اجتياح دعاية حزب الليكود للقرى والمدن الفلسطينية، يظل السؤال حول نسبة هذه الأصوات معلقاً في الهواء إلى حين الإعلان عن النتائج النهائية. بدورنا، استطلعنا في هذا التقرير بعض آراء الناخبين في الشارع الفلسطيني في الداخل ضمن قراءة سريعة للنتائج الأولية التي لا يبدو معها بأن معسكر اليمين قادر على تشكيل حكومة. فهل نحن أمام انتخابات خامسة؟
"بعد تفكك القائمة المشتركة التي وحدت الأطياف السياسية الفلسطينية في الداخل، شعر الفلسطينيون بغضب. لكن إن نظرنا إلى هذا الغضب، فيمكن وصفه على أنه سلوك انتخابي صبياني: إن لم تتوحدوا سنقاطعكم"
تهريج وتسطيح وشخصنة

في قراءته للنتائج الأولية، يقول الكاتب الصحفي وديع عواودة لرصيف22: "تعكس النتائج الأولية الانزياح المستمر لليمين في إسرائيل. من تبعات هذا الانزياح الغياب الكامل للقضية الفلسطينيّة كأن الاحتلال غير موجود إطلاقاً. كذلك غابت في هذه المعركة قضايا جوهرية على المستوى السياسي الإسرائيلي الداخلي، كقضايا الاقتصاد والكورونا وغيرها. ما طغى على المعركة هو شخصنة الانتخابات وتسطيحها؛ ثمة تهريج كبير جعل الصورة أهم من المضمون في هذه الانتخابات".
صورة نتنياهو "القائد" الذي ينتصر في كل معركة انتخابية ويفكك ويُفسد أي ودّ محتمل، تبدو حاضرة في المجتمع الفلسطيني. يقول أحمد (اسم مستعار): لقد صوتت البارحة صباحاً لنتنياهو. لا يوجد قائد سياسي قادر على قيادة الدولة مثله. أنا أوافق على كونه ثعلب ومنافق ويدعي محبة العرب لأجل التصويت. لكن الأحزاب العربية لا تستطيع فعل شيء لأجل العرب في الحقيقة. بينما نتنياهو بإمكانه صنع الكثير. إن قضية التطعيم وكون دولة إسرائيل الدولة الأولى في العالم التي حصلت على لقاح من شركة فايزر يثبت بأن نتنياهو لديه علاقات دولية كبيرة وعميقة وبإمكانه من خلالها قيادة البلاد لمستقبل أفضل". ويختتم قوله: "بما أننا نعيش هنا، فيجب علينا اختيار رئيس مناسب لكل الناس".
من جانبها، تقول سمر (اسم مستعار): "كل شخص حر في اختياره وتوجهاته. أنا أرى بأن نتنياهو يستطيع تأمين مستقبل آمن ووضع خطة جدية لمواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي. بإمكانه فتح وإغلاق الدولة في الوقت المناسب له، الإطاحة بالمنافسين له بدون صعوبة، لكن العرب غير واعين لاختيار مصلحتهم والأفضل لهم بشكل كاف".
"قضية التطعيم وكون دولة إسرائيل الدولة الأولى في العالم التي حصلت على لقاح من شركة فايزر يثبت بأن نتنياهو لديه علاقات دولية كبيرة وعميقة وبإمكانه من خلالها قيادة البلاد لمستقبل أفضل"
هل عاقب الشارع الفلسطيني ممثليه في الكنيست؟

يقول محمد شباط من قرية نحف في الداخل الفلسطيني: "لقد صوتت سابقاً للقائمة المشتركة، حين اجتمعوا تحت قائمة واحدة قبل عدة سنوات. كان لدي أمل بالتغيير، لكني قررت بعدها المقاطعة للأسباب الآتية: أجد بأن الأحزاب العربية قد رفعت شعارات انتخابية لا تستطيع تحقيقها، وفي ذات الوقت ليست لدي ثقة بالمرشحين عن القوائم". ويضيف: "الخلافات بين أعضاء القائمتين على ترتيب الكراسي أظهر مطامع ومصالح حزبية وأثر على المجتمع بشكل سلبي. كما أثرت سلباً توصية القائمة المشتركة على غانتس وعدم الاعتذار حتى اليوم، بل الدفاع عن هذه الخطوة. للتذكير، غانتس مسؤول رئيس عن قتل مئات الفلسطينيين في غزة وسبب في هدم البيوت والمدارس والمستشفيات، لهذه الأسباب وغيرها، وجبت محاسبة النواب العرب، وهذه أداة إجبارية توفرها الديموقراطية. الأحزاب لم تأخذ بعين الاعتبار غضب الشعب وقدمت ذات النواب، خاصةً بعد دعم عايدة توما لقضية "الشذوذ الجنسي العربي" وهو أمرٌ يخالف عاداتنا وتقاليدنا"، على حد تعبيره.
فيما يتعلق بنسبة التصويت المنخفضة عند الفلسطينيين يقول عواودة: "النتائج كانت متوقعة. فالمجتمع الفلسطيني في الداخل جزء من الشعب الفلسطيني؛ يعيش مرحلة من التشظي والانقسام. ولا يزال يؤمن بقدسية الوحدة الوطنية على حساب التعددية. وعليه، وبعد تفكك القائمة المشتركة التي وحدت الأطياف السياسية الفلسطينية في الداخل، شعر الفلسطينيون بغضب. لكن إن نظرنا إلى هذا الغضب، فيمكن وصفه على أنه سلوك انتخابي صبياني: إن لم تتوحدوا سنقاطعكم. المقاطعة الأيديولوجية للكنيست مفهومة، لكن تلك العاطفية التي تجيء كفعل انتقام أثرت على نتائج الانتخابات وقد يستفيد منها نتنياهو ويشكل حكومة في نهاية المطاف. نذكر مثالاً آخر من التاريخ، حين تنافس نتنياهو وبيرس عام 1996 على رئاسة الوزراء، بعد أن ارتكب الأخير مجزرة قانا في لبنان. قرر العرب الانتقام من بيرس بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وفي النتيجة، عاقبوا أنفسهم بأن أدى عزوفهم إلى فوز نتنياهو".
يعتقد عواودة بأن نتنياهو لم يعمل، كما يقال، على تفكيك القائمة المشتركة، بل حين انتُخبت الأخيرة لم تقدم رؤية جماعية وبرنامج عمل يتيح لها الاستمرار في قارب واحد ويسهم في امتصاص خلافاتها. ثمّ جاءت قضايا مثل قضية المثليين وفجرت الانشقاق الحاصل، إلى جانب النقاش السياسي الموجود. ما أدى إلى انفصال منصور عباس عن القائمة المشتركة. "ما لا يريد أحد قوله، هو أن منصور عباس لا يمثل تياراً شاذاً، بل هو مرآة لفئات كثيرة من المجتمع الفلسطيني في الداخل، ممن يؤيدون الاندماج مع المجتمع الإسرائيلي وممن يريدون الحصول على العنب بأي ثمن وبكل طريقة".

"أنا أصوت لأني مؤمنة أننا بحاجة إلى تمثيل في الداخل والخارج، القصد؛ في داخل الكنيست وفي الشارع، الحراك الشعبي مهم جداً لكنه يحتاج إلى دعم داخلي من الكنسيت"
من جهتها، تقول الناشطة خلود أبو أحمد: "بداية نحن كأقلية فلسطينية في الداخل نحتاج هذا التمثيل البرلماني العربي في البرلمان الإسرائيلي بحكم حياتنا هنا. نحن نعرف مدى سوء هذا المكان ومدى عنصريته، لكن وجودنا هناك مهم جداً لتمثيل شعبنا، بدءًا بقانون القومية وانتهاءً بعصابات الإجرام في المجتمع العربي. أنا أصوت لأني مؤمنة أننا بحاجة إلى تمثيل في الداخل والخارج، القصد؛ في داخل الكنيست وفي الشارع، الحراك الشعبي مهم جداً لكنه يحتاج إلى دعم داخلي من الكنيست". وتضيف معلقةً على الحراك الشعبي في الشارع: "الحراك الشعبي مهم ومبارك وأنا شخصياً أؤمن به وأشارك به، ولكن هذا الحراك لا يُغني عن الحراك السياسي في الكنيست".