أملاك الغائبين”… سلاح الأبرتهايد الإسرائيلي ضد المقدسيين
قبل أسبوعين كشف نير حسون في "هآرتس” عن حقيقة تفيد أن بلدية القدس ترفض تأخير تطبيق أوامر هدم لبيوت 1500 شخص من سكان شرقي القدس في حي البستان في سلوان. بهذه الخطوة تراجعت البلدية برئاسة موشيه ليون عن التفاهم الذي تبلور بعد أن طلب سلفه هدم بيوت الحي لصالح حديقة وطنية خطط لها المستوطنون. في الأيام التي كان فيها سيف التهجير مسلطاً على رؤوس مئات العائلات في الشيخ جراح وحي البستان في أعقاب دعاوى قدمها مستوطنون. وتعطي البلدية الآن لمن يطلبون الطرد ميزانيات، وتساعد في الدفع قدماً بمخططاتهم.
هذه السياسة التي تعمل فيها البلدية ضد سكانها، هي ميزة جميع رؤساء بلدية القدس على مر أجيالهم تقريباً. رئيس بلدية القدس الأسطوري، تيدي كوليك، الذي ترأسها في الأعوام 1965 – 1993، كان في الحقيقة مهندس "الضم” وإقامة الأحياء الواقعة خلف الخط الأخضر، ولكنه في الوقت نفسه، أظهر اهتمامه بسكان المدينة العرب. مثلاً، عندما دخل مستوطنو جمعية "العاد” إلى بيوت العرب في سلوان ليلاً للمرة الأولى في تشرين الأول 1991، خرج تيدي كوليك وحده، بخطوة استثنائية، للتظاهر أمام المستوطنة في سلوان. وأظهرت رسائل كشف عنها في بحث أجرته حركة "السلام الآن”، أن ليس الاستفزاز وحده هو الذي أغضبه، بل الظلم الذي وقع على العائلات الفلسطينية.
في العام 1992 شكلت حكومة رابين لجنة كلوغمان بهدف التحقيق في تدخل الحكومة في سيطرة المستوطنين على بيوت فلسطينيين في شرقي القدس. ووجدت اللجنة أنه بقيادة الوزير اريئيل شارون تم تشكيل جهاز يتكون من جهات حكومية، القيم العام على أملاك الغائبين وسلطة أراضي إسرائيل ووزارة الإسكان والقيم العام وغيرها، الذين عملوا للسيطرة على ممتلكات فلسطينية ونقلها إلى جمعيات مستوطنين بتمويل من الدولة. أوقفت حكومة رابين نشاط هذا الجهاز، لكنها امتنعت عن حله وإلغاء ما قد تم فعله. وهكذا، اضطر الفلسطينيون الذين وقعوا ضحية لهذا الجهاز إلى أن يناضلوا وحدهم ضد نشاطاته في المحاكم وأمام جهات قوية مثل "الكيرن كييمت” وجمعيات المستوطنين.
لم يكن كوليك يستطيع تحمل ذلك. بعد أن غادر رئاسة البلدية، توجه إلى سلسلة طويلة من الجهات، حتى التي لم تكن تستطيع المساعدة، في محاولة لإقناعهم بتمكين العائلات العربية من السكن في بيوتها. مثلاً كتب لوزير العدل في 4 شباط 1993: "الدولة اعترفت بأن الإعلانات حول هذه الأصول كأملاك غائبين، تمت بصورة غير قانونية”. إضافة إلى ذلك، لا تتخذ الدولة أي موقف في مسألة ما هي نتيجة إلغاء هذه الإعلانات وما هو حكم العقار. وحسب لوائح الدفاع، تطلب الدولة من هذه العائلات العربية التي عاشت في هذه العقارات قبل الإعلان عنها كأملاك غائبين، إحضار البينات أو تلك لإثبات الملكية. وبعد الكشف عن زيف إعلان الدولة، يجب إعادة الوضع فوراً إلى ما كان عليه، وتمكين هذه العائلات التي سكنت في العقارات عشرات السنين من العودة والسكن فيها”.
في 9 آذار 1993 أشار تيدي كوليك في طلب لمراقبة الدولة في حينه، مريم بن بورات، "لأنه أجري فحص ووجد أن الإعلان حول كون عقاراً من أملاك الغائبين قد تم بصورة غير قانونية – يجب إعادة الوضع إلى ما كان عليه. هناك أهمية كبيرة لرفع الظلم لعدد من السكان العرب في المدينة. والعدل يجب أن يُرى لا أن يُقال فقط”. في 14 آذار 1993 توجه كوليك لوزير الخارجية شمعون بيرس وطلب منه العمل على إعادة العقارات للفلسطينيين، ووصف نتائج تقرير كولغمان وأكد: "كل ذلك لم تتم حتى الآن إعادة أي عقار للسكان العرب الذين عاشوا في هذه العقارات. علينا أن نثبت بأن العدالة ستُفعل لا أن تبقى حديثاً في المحاكم… سأتصل معك في الغد لسماع الخطوات التي يمكنك فعلها في هذا الشأن”.
في نيسان 1993، بعد يومين على زيارة وزير الطاقة في حينه، امنون روبنشتاين، في القدس، كتب له كوليك: "أطلب تدخلك في إطار الحكومة لإصلاح الظلم، ولإعادة العقارات إلى أصحابها الشرعيين، وهكذا سيتم فعل العدالة. أعتقد أنه أصحاب العقارات لم يتمكنوا حتى الآن من إثبات ملكيتهم، يجب على الأقل إعادة الوضع إلى ما كان عليه”.
هذه فقط الرسائل التي وصلت إلينا، ولا نعرف هل فعل كوليك أي جهود أخرى. ولكن يبدو أن الموضوع يقلقه. لم تنجح جهوده. مئات العائلات الفلسطينية تقع الآن في خطر الإخلاء في أعقاب دعاوى قدمها المستوطنون ضدها، الذين يرتكزون على الآلية التي شكلها شارون في الثمانينيات. في بداية نيسان، ستناقش المحكمة العليا استئناف عائلة سمّرين من سلوان التي أعلن عن بيتها "أملاك غائبين” في 1987 وسيعطى لـ”الكيرن كييمت”، التي تطالب بإخلائه لصالح جمعية "العاد”.