زهير العزة يكتب .. العشرية الاخيرة أزمة منظومة وليست أزمة نظام ..
زهير العزه
خلال العشرية الاخيرة من عمرها واجهت الدولة الاردنية ثلاث موجات من الازمات التي وصلت الى حد الحروب الناعمة المباشرة وغير المباشرة على الدولة بكل أركانها ، فكانت الموجة الاولى من خلال الازمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد الاردني كما هو الحال على الاقتصاد العالمي، ومحاولة بعض الدول الكبرى وبعض النظم العربية استغلال الضائقة الاقتصادية لفرض شروط سياسية على الاردن تتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة العربية بشكل عام ،والموجة الثانية كانت الحصار المالي من خلال تخفيض أو قطع المساعدات عن البلاد وهي مكملة لمرحلة الابتزاز الاولى،وأما الموجة الثالثة فكانت موجة ما يسمى "الربيع العربي" ومحاولات البعض ضرب أسس الكيان من خلال محاولات فرض أجندات خاصة تؤذي النظام السياسي الملكي ما كان سيؤدي لو قدر لها النجاح الى إحداث فوضى عارمة وحروب داخلية وتخريب يطال كل متر من مساحة الوطن .
واستطاع الاردن التعامل مع كل هذه الموجات بإحتراف،وعلى قاعدة سياسة حافة الهاوية، التي سمحت بتمرير الخطط الوطنية للتخلص من الضغوط،وبنفس الوقت تمكن الاردن من التمسك بالمباديءالتي لا تسمح بالتنازل عن الثوابت الوطنية هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى برز وعي عند الجماهيرمنعها من الانخراط في مشاريع إحداث الفتنة أوالسير وراء شعارات تخفي خلفها مخططات هدفت الى إضعاف الاردن، وبالتالي إفقاده القدرة على التصدي للمخططات الصهيونية الرامية الى جعل الاردن وطنا بديلا للفلسطينيين، والغاء حق عودتهم الى وطنهم المحتل من قبل الصهاينة.
وفي إطار المواجهة مع هذه الموجات الحادة من الازمات تكشف حجم الإهتراء الذي تعيشه مؤسسات الدولة، والتي لم تستطع الاستجابة لمعالجة مواطن الخلل في ادائها تجاه مصالح المواطن، خاصة ان تلك المصالح كانت مثار المطالبات الاحتجاجية للجماهيرمنذ بداية بروز الازمات الحادة في العام 2008 ،الى أن وصلنا الى مرحلة"الربيع العربي"،وكان ذلك تعبير حاد عن عمق أزمة المنظومة التي ادارت البلاد خلال هذه السنوات ولم تكن أزمة النظام الذي كان دائما يسبق كل التيارات السياسية والاقتصادية في طرح مشاريع أو مبادرات للاصلاح والتطوير .
وبعيدا عن البحث التفصيلي في أزمة المنظومة الحاكمة الذي يحتاج الى مساحة أكبر من مساحة مقالة، تكشف للمتابع والمراقب أن هناك مسألتين هامتين كانتا مثار إحتجاج من الجماهير وما زالتا بدون حل وهما العدالة والحالة الاقتصادية للمواطن بما في ذلك البطالة وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، بينما كانت المطالب المتعلقة بالحالة السياسية نخبوية تهدف الى المشاركة في صناعة القرار ،وللأسف فقد عجزت أو تهربت حكومات متعاقبة عن إيجاد الحلول لهذه المشاكل وقامت بترحيلها الى الحكومات التي جاءت بعدها وهكذا حتى وصلنا الى ما نحن عليه الأن .
إن تأخر الاصلاح يعود الى عرقلته من أطراف فاعلة بالدولة الاردنية وهي الاطراف التي أدارت المنظومة الادارية والسياسية داخل البلاد وتسببت بعملية الاهتراء وعدم تحقيق مبداء العدالة بين الاردنيين خاصة في مجال المكاسب الكبرى مثل التعيينات في الوظائف العليا في الدولة ،وذلك بالضرورة أدى الى تعميق الأزمة الإدارية في القطاع العام وخاصة أن التعيينات كانت تتم وفق مصالح المتحكمين ، فانعكس ذلك على كل مرافق الدولة بما في ذلك ما جرى ويجري من فساد في القطاع الخاص، وعلى رأس هذا الفساد هيمنة عائلات على الشركات والمؤسسات المساهمة العامة الكبرى في البلاد، إضافة الى عمل القطاع الخاص وبشكل دوري على تدميرالقطاع العام لصالح الاستحواذ على عمل القطاع العام مع عدم تميز المستحوذ بإيجاد خدمات أو منافع تصب في صالح المواطن والوطن، كما أن غياب مجالس نيابية قوية قادرة على المراقبة والمحاسبة ساهم في تعميق الازمة وتوسيع هوامش عدم الثقة بهذه المجالس وبمؤسسات الدولة كافة.
وفي مقابل هذا الاهتراء قام ويقوم البعض في الطرف الاخر لمعادلة الحالة السياسية في البلاد بعملية إستثمار سياسي لما جرى ويجري في البلاد ،وسواء كان هذا البعض في صف الموالين المتحمسين للعودة للمناصب والمكاسب أوالمعارضين، فقد كان لقاء الطرفين عند نقطة واحدة هي كيفية استثمارهذا الاهتراء لصالح تحقيق مكاسب خاصة بهم،وبداء كل طرف منهم بالعمل على إظهار أننا دولة فاشلة أوعاجزة وضخ السموم من أجل تيئيس الناس من عدم إمكانية إجراء عملية إصلاح لانقاذ البلاد من براثن قوى الهيمنة المعرقلة للاصلاح ،ما أدى ببعض المواطنين للوصول لمرحلة الحقد على النظام ،أو الذهاب الى مرحلة تجعل بعضهم الاخر يبحث عن أبواب للهجرة من خلال الوقوف طويلا على أبواب السفارات، مع مخزون مرتفع من الغضب في داخله،وأما الاسواء من ذلك كله فهو أن بعض المواطنين قد ذهب الى حالات من التطرف التي أستعصى ويستعصي إصلاحها في ظل الحالة التي كانت قائمة وللاسف هي مستمرة لغاية ألأن، بالرغم ان الوضع الان ليس بالسوء الذي يمكن توصيفه، وذلك نتيجة قيام الملك باصلاحات خلال هذه العشرية أرخت بظلالها على الحالة العامة للناس .
إن تأخر معالجة الاختلالات التي اوقعتها المنظومة الحاكمة على كاهل الوطن وكاهل جلالة الملك كرأس للنظام السياسي وكعنوان للثقة المطلقة من قبل المواطنين، أحدث فجوة ثقة بين الناس وبين الدولة وتسبب بضياع الأولويات وهدر للوقت، ما إنعكس سلبا على الوطن والمواطن، وأدى بنفس الوقت الى التعارض بين ما يريده الناس ويرجونه من جهة، وبين الواقع الذي تسيرعليه أجهزت الدولة من جهة أخرى ما سبب فقدان التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وجعل المواطن يشعر بصعوبة التنفس في كل الاتجاهات ،ولذلك فأن الاصلاحات يجب أن تأتي سريعة من داخل مؤسسات الدولة المتمثلة بالاعيان والنواب والحكومة وبالتعاون مع الاحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية الفاعلة على الارض ،وأن لا يتم تفريغ مفعول مقترحات الاصلاح التي ستقدم كعناوين للاصلاح من مضمونها قبل أن تبداء، كما حصل مع الميثاق الوطني ومع الاجندة الوطنية وغيرها من مشاريع إصلاحية قدمها عدد من المجتهدين.
نحن اليوم أمام فرصة لاجراء إصلاحات حقيقية ترتكز على تغيير نهج عمل المنظومة الحاكمة من خلال قانون للانتخابات يعبرعن إرادة الناس، وقانون للاحزاب يمنع تغول المؤسسات الحكومية وأجهزتها من التغول على الاحزاب،مع تحقيق العدالة بين المواطنيين بهدف مواجهة أزمات البلاد العميقة ، فمشكلتنا هي أزمة منظومة، أما النظام فيتمتع بغالبية مؤيدة من المواطنين ملتحمين معه في مواجهة أية تحديات داخلية أو خارجية .