لماذا يغيب الإعلام في الأزمات؟
ماهر أبو طير
عبر أكثر من أزمة عبرها الأردن، غاب الاعلام عن تقديم روايته، او معلوماته حول ملف ما، وكان هذا الاعلام يتعثر بسبب الحساسيات، وأيضا بسبب حجب المعلومات عنه.
نحن هنا ندفع الجمهور في الأردن، للبحث عن بدائل، وهذه البدائل باتت وسائل التواصل الاجتماعي، والاشاعات، والمعلومات المضللة، او ربع الصادقة، إضافة الى وسائل الاعلام الأجنبية باللغة الإنجليزية، او حتى وسائل الاعلام العربية، وهذا امر تكرر مرارا، من محاولة اغتيال مسؤول فلسطيني منتصف السبعينيات في الأردن، مرورا بتفجيرات عمان، وصولا الى آخر القصص التي نراها ونسمعها، وكل مرة يغيب الاعلام المحلي، ليس لضعف في أدواته، ولكن لقلة التعاون، وغياب المعلومات، وتجنب التفاعل مع الاعلام الداخلي.
اللافت للانتباه هنا، ان اللوم ينصب لاحقا على الاعلام المحلي، ودوره، وقلة مصداقيته، او عدم تأثيره برغم الكلف المالية التي يتم انفاقها على ادامة المؤسسات القائمة، او تطوير مؤسسات بديلة، كما ان هذا اللوم يأتي من الجهات الرسمية، مثلما يأتي من الجمهور، والكل يسأل اين الاعلام الأردني من هذه الازمات، ولماذا لا يتقدم بروايته، او يستبق غيره، او ينافس على الأقل في سباق المعلومات والتحليلات، والتأثير على الرأي العام؟
لقد آن الأوان ان يتم التعامل مع الاعلام الأردني، بطريقة مختلفة، لا تحرقه امام الناس، ولا تجعله ضعيفا، وغائبا، او في حالة رد فعل، مهما بلغت الحساسيات، او فهم أدوار هذا الاعلام، لأن الفراغ الناشئ عن غيابه، لن يبقى فراغا، وسوف تقوم جهات كثيرة، مهنية او سياسية، او غير مهنية، او من أي نوع من الأنواع بتعبئة هذا الفراغ، بما يؤثر على الجمهور، ويخلخل الداخل، ويزيد الاشاعات، وتصير المهمة معقدة جدا، في اقناع الناس، ان هذه المعلومات التي يتلقونها من مصادر مختلفة، غير صحيحة، كليا، او جزئيا.
كيف يمكن في عالم مفتوح مثل هذه الأيام، ان يغيب الإعلام الأردني بكل تلويناته، فيما من السهل جدا على الأردني ان يصل الى بدائل مهنية، او غير مهنية، ولعل اخطر ما نعيشه هو تدفق المعلومات خلال الازمات، في ظل غياب رواية رسمية، او تأخرها، او في ظل تعطيل او غياب للإعلام الأردني، الذي بات يتعرض الى نقد هائل من الجمهور، فوق التشكيك أساسا بمصداقيته، وقربه من الناس، ومحاولته أحيانا تغيير القناعات بطريقة غير حرفية.
الذين يعودون الى تجارب دول الجوار خلال العشر سنين الأخيرة، يكتشفون ان الازمات لديهم أديرت عبر أحد امرين، إما اعلام خارجي موجه، واما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا خطر حقيقي وكبير، على مستويات أي دولة، والجمهور، والاستقرار، ومن الغريب حقا، الا نقف عند هذه الازمات لنتعلم منها، ونعيد صناعة الواقع الإعلامي، بدلا من ترك البلد نهبا للأكاذيب والاشاعات او حتى الحقائق القادمة من خارج الحدود، فهذا وضع يهدد بنية أي بلد، وقد سبق ان تم الحديث عن هذا الجانب مرارا، الا ان هناك من يظن ان ازمة الاعلام منه وفيه، وهذا تشخيص غير صحيح ابدا، فالإعلام قادر لو توفرت النية لمنحه مساحته الأساس.
الاعلام بات صناعة، وهو أيضا اهم وسيلة لصناعة الإيجابية، وهو أيضا بحاجة الى حرية، وازدهار مالي، والى حماية من التقلبات السياسية والقانونية، والى فرز حرفي ومهني، لدوره المهم جدا، في صناعة صورة الدول، والرموز، والافراد، وسمعة البلاد، وتحصينها، إضافة الى مهمة المكاشفة بالحقيقة حتى لو كانت غير مريحة ولا يقبلها البعض، وبدون توفير هذه الشروط، فسوف يبقى الاعلام غائبا، او ضعيفا، او غير مؤثر، فيما الداخل الأردني مفتوح على فضاءات بديلة تشكل وعيه، ورأيه، وتتحكم فيه أيضا بوسائل مختلفة.