ريفلين يفسر قرار “العليا” الإسرائيلية بـ”مثالية” خاطئة
إن الرئيس ريفلين بقراره -بصورة احتجاجية تقريباً- إعطاء التفويض لعضو الكنيست نتنياهو لتشكيل الحكومة، يذكر جوانب أخلاقية وقيمية تجعل قراره غير سهل، فهو لم يذكر الاعتبارات القانونية. والقانون يظهر أنه لم يكن بالإمكان إلقاء المهمة على عضو كنيست واحد، واسمه بنيامين نتنياهو؛ لأنه متهم بمخالفات خطيرة يكتنفها عار تلقي الرشوة وخيانة الأمانة. ويبدو أن هذا النص يثير تساؤلاً كبيراً ويناقض قرار المحكمة العليا، الذي سمح في الجولة السابقة بتولي رئيس الحكومة لمنصبه رغم أنه متهم بمخالفات جنائية. ولكن فحص قرار الحكم يظهر أن الوضع لم يكن هكذا، بل العكس.
إن قرار الحكم أبقى سابقة درعي بنحاسي على حالها، التي بحسبها يجب على رئيس الحكومة إقالة الوزير المتهم بقضايا جنائية خطيرة والتي فيها وصمة عار؛ لأن أي قرار آخر هو قرار غير معقول. إضافة إلى ذلك، ما يسري على تولي أي وزير لمنصبه، الذي لا يمكن أن يتعايش تحت سقف واحد مع تهمة جنائية، يسري أيضاً على رئيس حكومة.
مبرر هذه القاعدة يكمن في الآثار السلبية للوظيفة العامة، وفي تأثيرها على مكافحة الفساد في الحكومة وعلى طهارة الأخلاق والنزاهة العامة، وواجب على الشخصيات العامة أن تكون قدوة ونموذجاً يحتذى به في الخدمة العامة وللجمهور بشكل عام، وعلى أهمية ثقة الجمهور باعتبارات الحكومة.
في قرار الحكم السابق، وقفت المحكمة أمام واقع فيه أغلبية كبيرة من بين أعضاء الكنيست- 72 عضواً، وأوصت رئيس الدولة بإلقاء المهمة على نتنياهو. واعتقدت المحكمة أنه ليس للرئيس فعلياً أي تقدير، ولكن المحكمة أكدت الفرق بين صلاحيات الرئيس في المرحلة الأخيرة من تشكيل حكومة عندما تقول الكنيست كلمتها، وبين المراحل الأولية التي لرئيس الدولة فيها تقدير واسع وجوهري.
بدون أي صلة بمسألة الانتقاد القانوني لقرارات الرئيس، التي هي محدودة، فإن على الرئيس، مثل أي جهة حكومية وربما أكثر من أي جهة حكومية، العمل في إطار القانون. وحسب القانون، فإن قرار تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة هو قرار غير معقول. لذلك، هو خارج النطاق.
قانون الأساس: الحكومة، الذي كان الرئيس بكونه عضو كنيست مشاركاً في سنه، يسمح لرئيس حكومة متهم، وحتى مدان، بالاستمرار في تولي منصبه إلى حين اتخاذ قرار الحكم القطعي. ولكن هذا على صعيد الأهلية وليس على صعيد التقدير. ومثلما تم النص فيما يتعلق بالوزراء ونواب الوزراء، هكذا أيضاً بالنسبة لموضوعنا، فالحديث يدور عن مستويين مختلفين. ليس كل من يجتاز العتبة المنخفضة نسبياً من الأهلية يمكنه أن يجتاز المدماك الآخر الذي يتمثل بالتقدير. وفي هذه الحالة، يدور الحديث عن التقدير الكبير للرئيس، ويجب استخدام هذا بعقلانية وتجنب التوصل إلى نتيجة خاطئة. لم يحصل نتنياهو على دعم أغلبية أعضاء الكنيست، وحسب الرئيس، تبقى احتمالية تشكيله للحكومة ضئيلة. تنشغل الكنيست بالأهلية وليس بالتقدير. وهذا أيضاً حل مشكوك فيه، لأن محاولة الكنيست لتغيير قانون الأساس في الكنيست الحالية سيواجه بانتقاد كبير، ويمكن أن يعاني من غياب شرعية عامة.
امتنعت المحكمة في حينه عن التدخل لأنها لم تجد أي سند تتمسك به، أي أنها لم تجد أي جهة حكومية تستخدم التقدير الإداري. فقد اعتقدت المحكمة بأنه من غير المناسب لها التدخل في تقديرهم الذي هو تقدير سياسي لأعضاء الكنيست الذين أوصوا بنتنياهو. في هذا الشأن يختلف الرئيس لأنه لا يعمل كجهة سياسية، وجسد ريفلين ذلك عندما رفض بشكل نهائي اقتراح العمل لصالح مرشح معين (لبيد – بينيت). وتقديره هو تقدير رجل دولة، وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فهو ملزم بأن يكون شخصاً موضوعياً يحترم القانون بشكل مثالي.
الرئيس ريفلين، للأسف الشديد، فشل في ذلك. قد تنشأ أوضاع صعبة عندما تكون فجوة بين المقاربة القيمية – الأخلاقية والقانون. يبذل نتنياهو كل ما في استطاعته ليثبت بأنه غير قادر على تولي منصب رئيس حكومة يضع مصالح الجمهور أمام ناظريه. الهجوم الشرس والمحموم الذي وجهه أمس ضد جهاز إنفاذ القانون، هو تعبير عن ذلك. وعرضه العبثي في المحكمة فيما يتعلق باستعداده لاحترام اتفاق تضارب المصالح (الذي بفضله، بدرجة معينة، امتنعت المحكمة عن التدخل)، ورفضه المستمر للتوقيع على هذا الاتفاق، ونشاطه خلافاً للاتفاق الذي صاغه المستشار القانوني للحكومة، وإفشال تعيين وزير عدل وسلسلة طويلة من التعيينات الأخرى… كلها تعبيرات أخرى عن ذلك.
لن نجد إهانة أكبر من فشل أنظمتنا الحكومية في إنقاذ الدولة من بين أنياب حادة لمتهم بمخالفات جنائية. في المقام الأول، فشل النظام السياسي، وعلى رأسه الليكود والحلفاء السياسيون لنتنياهو الذين تمثل الاعتبارات القيمية والقانونية الخزف المكسور، حسب رأيهم، وبعدهم غانتس الذي خان ناخبيه، ثم بينيت وشهوته في الحكم التي أخرجته عن أطواره. وبعد ذلك، فشل المحكمة، والآن رئيس الدولة خيب أملنا.
بقلم: مردخاي كرمنتسار
هآرتس 7/4/2021