نحو إستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات

د. موسى شتيوي
هناك أكثر من عشرين ألف قضية مخدرات منظورة أمام محكمة الدولة تتوزع بين تهمة الاتجار والتوزيع والتعاطي للمخدرات بأنواعها المختلفة. هذه الأرقام تدل على تنامي قضايا المخدرات، وحسب الإحصاءات الرسمية تكون قد تضاعفت خمس مرات منذ العام 2010.
بالتأكيد هذه الحالات تعكس الجهود الاستثنائية التي تقودها إدارة مكافحة المخدرات في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة وجهود الجيش العربي الأردني في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود وخاصة الشمالية لأنها تعتبر المصدر الرئيس لمحاولة تهريب المخدرات للأردن والدول المجاورة.
بعد أحداث ما يسمى الربيع العربي واندلاع الحرب السورية الداخلية تشكلت عصابات وتجار المخدرات في غياب سيطرة السلطة المركزية على البلاد والمعلومات عن لجوء بعض التنظيمات المسلحة للانخراط بتجارة المخدرات عبر الحدود وذلك للمردود المالي الكبير الناتج عن هذه التجارة الإجرامية.
الملفت ايضًا أن التطور المهم على هذه الظاهرة هو سهولة تصنيع أنواع كيميائية من المخدرات على شكل حبوب رخيصة الثمن مما يجعلها في متناول الشباب ذوي الدخل المحدود وبالتالي الانتشار السريع لهذه الظاهرة، هذا بالنسبة لعوامل العرض والتي تدل على مضاعفة جهود التصنيع والتجارة والترويج لتوفير هذه المواد بشكل تجاري واسع.
لكن بالمقابل، هناك أيضًا ازدياد في الطلب على المخدرات نتيجة لعوامل اقتصادية كالفقر والبطالة والمضاعفات الاجتماعية والنفسية الناجمة عنهما وخاصة لدى الشباب الذين يشكلون الهدف الرئيس لترويج المخدرات.
تقوم إدارة مكافحة المخدرات أيضًا بجهود كبيرة وملموسة في التوعية في مخاطر هذه الآفة من خلال برامج التوعية المتنوعة بالتعاون مع المؤسسات الرسمية كالجامعات والمدارس ومنظمات المجتمع الأهلي أو المدني وهي جهود مثمنة ومقدرة ونتائجها الإيجابية واضحة.
ظاهرة المخدرات ظاهرة معقدة ومركبة لها أبعاد أمنية وأسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية وهي ظاهرة صحية أيضًا من حيث أسبابها ونتائجها على الأفراد والأسر والمجتمع بشكل عام.
ظاهرة بهذا الحجم وبهذا التعقيد والتشابك تحتاج لاستراتيجية مكافحة بنفس الدرجة من الشمولية التي تميزها وتأخذ كل الأبعاد المذكورة أعلاه بعين الاعتبار.
الخطوة الأولى في تطوير الاستراتيجية هي فهم الظاهرة بأبعادها المختلفة وهذا يعني ضرورة إجراء دراسات علمية تشمل الأسباب التي تقود الشباب للتعاطي وما هي الظروف والبيئة التي يتم بها التعاطي. كذلك يجب أن تشمل الدراسات معرفة الآثار المترتبة على التعاطي ليس فقط على المتعاطين والمدمنين وإنما ايضا على أسرهم والمجتمع، بالإضافة لذلك هناك حاجة لمراجعة شامله للبيئة التشريعية المرتبطة بهذه الظاهرة بما فيها الصحية والتربوية بالإضافة لقانون العقوبات وغيرها من التشريعات ذات العلاقة. بعد الإحاطة المعرفية المتكاملة بهذه الأبعاد تصبح من الممكن وضع استراتيجية لمجابهة هذه الآفة التي بدأت تستفحل وتنهش بالشباب الأردني.
المهمة الأساسية لوضع هذه الاستراتيجية تقع على عاتق الحكومة التي يجب أن توليها الاهمية الكافية وتقود الجهود في بلورتها، والصعوبة تكمن في أن المشكلة لا تقع ضمن اختصاص وزارة معينة، فبالإضافة لإدارة مكافحة المخدرات، فإن هذه الظاهرة المتداخلة تعني كلا من وزارات الصحة والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم والشباب ولكن السؤال هو من سيقود أو يوجه هذه الجهود؟
إن تطوير أو وضع استراتيجية وطنية لمكافحة ظاهرة المخدرات يعني الجميع وأي من الوزارات أعلاه يمكن ان تقود تلك الجهود ولكن القرار يجب ان يكون مركزيا، إن الوقت لن يجعل المشكلة تختفي ولكن العمل الجاد يؤدي لذلك، فلنبدأ.