إثيوبيا تستقوي برفض واشنطن لضرب سد النهضة.. ويد مصر “ضعيفة”

أكد تحليل لموقع "جيوبوليتكال فيتشرز” أن يد مصر قصيرة وضعيفة ولا خيارات قوية أمامها في قضية سد النهضة، وأن إثيوبيا واثقة من فيتو أمريكي ضد ضربه.

وجاء في التحليل الذي أعده الباحث هلال خشان في موقع الدراسات الاستراتيجية والاستخباراتية الأمريكي، أن إثيوبيا ليس لديها حافز لتقديم تنازلات في قضية السد، حيث أفرجت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن 272 مليون دولار من المساعدات لإثيوبيا والتي تم تجميدها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب على إثر رفضها لتوقيع اتفاقية ملزمة مع مصر برعاية الولايات المتحدة.

وبالتالي، تسبب فك ارتباط المساعدات المالية بمفاوضات السد، في طمأنة أديس أبابا بأن الولايات المتحدة لم تعطِ الإذن لضربة عسكرية مصرية ضد السد.

وأشار التحليل إلى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي "جاك سوليفان” عبر عن استعداد الولايات المتحدة للمساعدة في حل النزاع. لكن إثيوبيا، حسب الكاتب، حريصة على إبعاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن المحادثات، مفضلة بدلا من ذلك وساطة الاتحاد الأفريقي فقط، في ظل اعتقادها بأن دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية ستتعاطف مع قضيتها وتفهم تصورها لمصر "كقوة استعمارية”.

خيارات عسكرية ضيقة أمام مصر

هددت مصر مرارا وتكرارا باستخدام القوة للدفاع عن حقوقها في النيل. وفي عام 1978، قال الرئيس المصري "أنور السادات” إن القضية الوحيدة التي يمكن أن تدفع مصر إلى الحرب هي المياه.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذر الرئيس "عبد الفتاح السيسي” من أن عرقلة وصول مصر إلى النيل سيؤدي إلى "عدم استقرار في المنطقة بشكل لا يتصوره أحد”.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، وقعت مصر اتفاقيات تعاون عسكري مع 3 دول على ضفاف نهر النيل؛ هي السودان وأوغندا وبوروندي. وتستطيع القوات الجوية المصرية من الناحية النظرية أن تضرب السد، حيث رفعت الولايات المتحدة الفيتو الخاص بها عن شراء مصر لصواريخ "SCALP-EG” من فرنسا.

وتحتاج طائرات "الرافال” في رحلة القصف إلى طائرات مقاتلة مرافقة، مثل طائرات "SU-35” والتي تلقت مصر 5 منها. ومع ذلك، فقد تواجه القوات الجوية المصرية مشكلة في دمجها في ترسانتها.

وبالرغم من حجم القوات الجوية المصرية، فإن معظم أسطولها عفا عليها الزمن، وتقل لديها جدا الطائرات القادرة على تنفيذ مثل هذه العملية المعقدة.

وستحتاج مصر إلى دعم السودان لاستهداف السد، لكن السودان غير راغب بالدخول في حرب، ومع أن مصر والسودان عقدتا تدريبين جويين مشتركين يحاكيان هجومًا على أهداف العدو، إلا أن الهجوم على السد غير مرجح.

وقال مسؤولون من كلا البلدين إن جميع الخيارات مطروحة لحل النزاع، ولكن الملاذ الأخير بالنسبة للسودان هو الذهاب لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد استبعد وزير خارجية السودان الحل العسكري قائلا إنه يجب استنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية.

من عبد الناصر إلى السيسي

ويشير التحليل إلى أنه طالما شعر العديد من الزعماء المصريين بالقلق بشأن القدرة على الوصول إلى موارد مياه النيل.

ففي الخمسينيات من القرن الماضي، دعا "جمال عبد الناصر” مرارا وتكرارا الإمبراطور الإثيوبي "هيلا سيلاسي” لزيارة القاهرة، لكن تم رفض الدعوة.

كما دعا "ناصر” لفكرة توحيد دول وادي النيل، وهي فكرة رفضتها إثيوبيا بصرامة.

بعد فشل "عبد الناصر” في التأثير على "هيلا سيلاسي” ليتعاون، سعى إلى زعزعة استقرار إثيوبيا، كما فعل مع السودان بعد أن أعلنت بشكل أحادي الاستقلال عن بريطانيا ومصر في عام 1956.

وتسبب الرئيس السابق "حسني مبارك” في فقد مصر لأوراق الضغط، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا بعد محاولة اغتياله في عام 1995 بينما كان في أديس أبابا لحضور قمة أفريقية، وهكذا عزل "مبارك” مصر عن إثيوبيا ومعظم إفريقيا، وعلق أنشطة مجلس الأعمال الإثيوبي المصري لمدة 17 عاما.

وكانت سياسات "مبارك” قصيرة النظر سببا في إقدام إثيوبيا على مشروعها العملاق دون الحاجة إلى القلق بشأن موافقة مصر.

كما علّقت مصر عضويتها في مبادرة حوض النيل في عام 2010 بعد أن وقعت 6 دول على ضفاف النيل اتفاقية عنتيبي، والتي قللت نصيب مصر والسودان من موارد مياه النيل.

وفي الآونة الأخيرة، اتهم المنتقدون "السيسي” بإضعاف موقف مصر التفاوضي من خلال توقيع إعلان المبادئ المثير للجدل عام 2015، والذي عرض تعويضات على بناء السد لبلدان المصب.

فمن خلال توقيع الاتفاقية، اعترفت مصر بحق إثيوبيا في ملء خزان السد وأضعفت حقها في الاعتراض،

وطلب وزير الخارجية المصري من نظيره الروسي التدخل ومنع إثيوبيا من اتخاذ قرارات منفردة يمكن أن تؤثر على إمدادات المياه لمصر، بالرغم من معرفته أن أديس أبابا تعارض الوساطة الأجنبية. وألقى "السيسي” باللوم في أزمة المياه على ثورة 2011 التي أطاحت بنظام "مبارك”، زاعما أن إثيوبيا لم يكن بإمكانها بناء السد لولا الثورة.

لكن الحقيقة هي أن خطط السد تعود إلى عام 2001، وأن مصر درست بالفعل عواقب بناء السد في عام 2009، عندما شكلت لجنة تقييم حالة شملت ممثلي وزارات الدفاع، والشؤون الخارجية والداخلية والموارد المائية والكهرباء.

والواقع الآن، أن بناء السد وصل لنقطة لا رجعة عنها، وباعتبار مصر دولة مصب، فليس لديها خيار عدا إبقاء قنوات التواصل مفتوحة.

وفي حين أظهر الزعماء الإثيوبيون من "هيلا سيلاسي” إلى "آبي أحمد” عزمًا على إدارة الموارد المائية في بلدهم، فقد فشل القادة المصريون من "عبد الناصر” إلى "السيسي” في حمايتها.

حسابات إثيوبية وتحسبات مصرية

ويشير المحلل إلا أنه من المنطقي أن يتمتع سد النهضة الأثيوبي بدعم أغلبية ساحقة من الأثيوبيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية، حيث يجري الترويج له باعتباره سيحدث نقلة في بلد لا يستطيع حوالي 60% من سكانه الوصول إلى الكهرباء، حيث من المتوقع أن يولّد حوالي 6500 ميجاوات من الطاقة الكهرومائية التي سيتم تصدير بعضها إلى الدول المجاورة.

وعندما تم الانتهاء من مرحلة التعبئة الأولى في يوليو/تموز الماضي، وملء 4.9 مليار متر مكعب من المياه في خزان السد، وصف رئيس الوزراء الأثيوبي "آبي أحمد” هذه الخطوة بـ "نقطة تحول” في تنمية إثيوبيا، ومن المتوقع أن تبدأ مرحلة التعبئة الثانية، والتي ستصل لإجمالي 13.5 مليار متر مكعب من الماء، في يوليو/تموز المقبل.

أما مصر فهي تشعر بالخطر على إمداداتها من المياه، باعتبارها دولة مصب تعتمد على النيل لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة.

وقد أعطت اتفاقيات تقاسم المياه التي تم التوصل إليها في عام 1929 و1956 مصر الحق في حصة الأسد من مياه النيل، لكن السد الجديد يهدد هذه الاتفاقيات.

وأغضب إصرار مصر على حقوقها التاريخية إثيوبيا وكذلك الدول الأفريقية الأخرى التي تدعم بناء السد.

وأصبحت مصر في مأزق لأن أديس أبابا مصممة على المضي قدما، تاركة للقاهرة خيارات محدودة للغاية.
القدس العربي