معارضو الرئيس عباس: هل ستبقى الانتخابات الفلسطينية منوطة بـ”الفيتو الإسرائيلي”؟
هل ستقرر اللجنة التنفيذية في م.ت.ف "تعليق” (عملياً إلغاء) انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، بذريعة أن إسرائيل لا تنوي تمكين إجراء الانتخابات في شرقي القدس؟ أو ربما سيصدر هذا القرار في وقت لاحق من هذا الأسبوع، كما يبدو، بمعزل عن الجهة التي قد تمثل كل الشعب الفلسطيني (حتى في الشتات)، وهي في الواقع قشرة أخرى نزيهة لحكم لمحمود عباس الاستبدادي؟ في الأسبوع الماضي، زادت حمى التخمين حول هذا الشأن، التي بدأت تقريباً فور إعلان عباس في كانون الثاني بأن الانتخابات ستجرى في 22 أيار، وزادت مرة أخرى بعد أن تبين أن معظم التوقعات تظهر أن قائمة حماس ستكون الأكبر، لأن 36 قائمة تنوي التنافس في الانتخابات، منها قائمتان لأعضاء نشطاء في "فتح” تتنافس مع فتح الرسمية (مؤيدي أبو مازن).
إن مسألة مشاركة الفلسطينيين من سكان القدس في الانتخابات للبرلمان الفلسطيني تشكل اختباراً مدمجاً. ويمكن بواسطته فحص أمرين: (عدم) استعداد عباس ومؤيديه في "فتح” للسماح بعملية ديمقراطية وحدود رغبة السلطة الفلسطينية في العمل خلافاً لإملاءات إسرائيل. كذلك تسمح بفحص قدرة التنظيمات الفلسطينية الأخرى على ضعضعة سيطرة عباس على السياسة الفلسطينية، والأصعب من ذلك هو قياس شعور الانتماء في أوساط الجمهور الفلسطيني – المقدسي للنظام السياسي في جيوب السلطة الفلسطينية، واستعداده وقدرته على تحدي النظام الإسرائيلي من خلال التعبير عن مشاركته في هذا النظام السياسي.
لم تجب إسرائيل حتى الآن – سواء بالرفض أو الإيجاب – على طلب السلطة الفلسطينية بالسماح لحوالي 90 ألف فلسطيني مقدسي المسجلين، بالتصويت في صناديق الاقتراع داخل المدينة. وطالما أن شخصية رفيعة مقربة جداً من عباس تعلن بأن "لا انتخابات بدون القدس، أو تجري مظاهرات عفوية” تحت هذا الشعار، فإن هذا الأمر يفسر كتمهيد لطريق الإعلان عن تعليق أو إلغاء الانتخابات: وقد حدث هذا بتواتر كبير في الأسبوع الماضي.
يطالب مؤيدو عباس بأن تضغط أوروبا على إسرائيل لضمان إجراء الانتخابات في القدس. هكذا مثلاً قال جبريل الرجوب لسيفان كون بورغسدورف، ممثل الاتحاد الأوروبي في شرقي القدس، خلال الأسبوع الماضي. وهذا ما يتوقع أن يقوله وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، لوزارات الخارجية الأوروبية. المتشككون ومن سمعهم خفيف يسمعون رسالة مخفية هنا: "ستقع المسؤولية على الأوروبيين (الذين يؤيدون العملية الديمقراطية) إذا وضعت إسرائيل عقبات أمامنا، التي سنضطر بسببها إلى إلغاء – تعليق الانتخابات”.
لكن بعد 26 سنة من التوقيع على الاتفاق الانتقالي (الذي صادق على تصويت فلسطيني، حتى لو كان رمزياً، وفي مكاتب البريد في القدس)، لماذا يجب على السلطة أن تكون ملتزمة بإطار تستخف به إسرائيل طوال الوقت، وكان يجب أن يستبدل في 1999؟ في نهاية المطاف، التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي هو انحراف عن هذا الإطار. لماذا يجب انتظار موافقة إسرائيل عندما يدور الحديث عن انتخابات تحديداً؟ الشرطة والشاباك في القدس لا يفوتون أي فرصة لاعتقال فلسطينيين وفض اجتماعات وقمع نشاطات شعبية يقومون بها. إذا كانت الانتخابات مهمة جداً ودليلاً على الديمقراطية الفلسطينية، مثلما رد عباس ومؤيدوه، يمكن تحويلها إلى أداة في النضال ضد الاحتلال.
"هل نترك لإسرائيل أن تفرض فيتو على الانتخابات الفلسطينية”، قال مصطفى البرغوثي، رئيس حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، ونشطاء في تنظيمات أخرى، الذين سجلوا كمتنافسين في الانتخابات. إن التصميم على إجراء الانتخابات في القدس، خلافاً لرغبة إسرائيل، قد يبعث المقاومة الشعبية للحكم الأجنبي، ويعيد تأهيل النشاطات الوطنية ما فوق الفصائلية، ويعيد القدس إلى الخطاب كمدينة فلسطينية، وبأن الأمر يتعلق بمنطقة احتلت في 1967، وحتى تحدي إدارة بايدن وربما أيضاً الدول العربية التي تقوم بعملية تطبيع مع إسرائيل.
المشكلة ليست تقنية، أوضح النشطاء: يمكن وضع صناديق اقتراع في المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، ومؤسسات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا”، والمدارس. ويمكن السماح بتصويت إلكتروني ووضع المزيد من صناديق الاقتراع خارج المدينة. في الشهر الذي بقي على موعد الانتخابات، يجب على التنظيمات الفلسطينية، وعلى رأسها السلطة، تشجيع المقدسيين على التجرؤ على القدوم للتصويت. وإذا حاولت إسرائيل تخريب العملية الديمقراطية التي ستكون مصورة تلفزيونياً في كل العالم، فستكون هي الخاسرة، وهذا سيضر بصورتها وسيشكل دافعاً لتجديد التضامن. يتذكر الجميع أن المقدسيين نجحوا عام 2017 في تحقيق إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعتها الشرطة على بوابات الأقصى: لقد رفضوا الدخول إلى ساحة المسجد وتظاهروا وصلوا بجموعهم خارجه. وعرضوا إسرائيل كمن لا تلتزم بحرية العبادة، إلى أن اضطر نتنياهو إلى إصدار أوامره لرفع البوابات. منذ ذلك الحين، يشكل هذا النجاح مثالاً لقوة النضال الشعبي الجماهيري (خلافاً لعمليات الأفراد المسلحة)، والحاجة إليه من أجل تغيير ميزان القوى. ولكن إذا لم يقم عباس و”فتح” بإلغاء الانتخابات، سيبقى السؤال مفتوحاً: هل سيعتقد المقدسيون أن التصويت للبرلمان الفلسطيني أمر مهم مثل الدفاع عن مبدأ ديني، وأنه يستحق المخاطرة من أجله بالتعرض للتنكيل الإسرائيلي وأنه يساهم في تحقيق الهدف الوطني؟ قد تكون الإجابة مؤلمة جداً.
بقلم: عميرة هاس
هآرتس 18/4/2021