«مشاجرة» تنكأ الجرح القديم: لماذا يلجأ «الأردني» لأسوار «الديوان الملكي»؟… أين «ولاية البرلمان والحكومة»؟
عمان – القدس العربي : بسام البدارين
ما هي علاقة مكاتب الديوان الملكي الأردني بمشاجرة أو بمخالفة جنائية؟
.. سؤال يتكرر دوماً في المشهد الأردني، وتم رصده مجدداً مساء الاثنين حتى فجر الثلاثاء في ليلة رمضانية حادة عنوانها، مرة أخرى، اعتراضات أبناء منطقة حي الطفايلة في وسط العاصمة الأردنية عمان.
انتهت مشاجرة ما في شرق العاصمة بمقتل شابين، فقرر المئات من الأردنيين التجمع خلافاً لأوامر الحظر الصحي طبعاً أمام إحدى بوابات الديوان الملكي وسط عمان، مطالبين بالعدالة والإنصاف بالمسؤولين عن مقتل شابين يفترض أنهما توفيا في مشاجرة لا علاقة لها بمكاتب الديوان ولا بأي مؤسسة رسمية.
يؤسس مثل هذا المشهد لنفس المقاربة الغريبة في الماضي؛ فمن يريد من بعض الأردنيين الاعتراض على أي شيء، يخاطب اليوم أسوار مكاتب الديوان الملكي ولا يخاطب الحكومة أو رئاسة الوزراء كما يفترض المنطق.
المثير أكثر في المسألة أن واحدة من الوظائف الأساسية للانتخابات ووجود مجلس نواب هو اختيار ممثلين في برلمان يتعاملون مع القضايا التي تخص المواطنين وينقلونها باسمهم إلى السلطات، الأمر الذي لا يحصل ليس لأن مجلس النواب مطعون بشرعيته أو برسم التشكيك، ولكن لأن جميع الأطراف في المعادلة -كما يشرح عضو المجلس عبد الرحيم المعايعة لـ«القدس العربي» مباشرة- تعلي من شأن الضغط على النواب فقط.
لم تكن الأمور في المشهد الداخلي في الماضي تجري على هذا النحو. ويقدر المعايعة وغيره بأن وجود هيبة وقوة لمجلس نيابي، فيه مصلحة لجميع الأطراف. لكن المجلس الذي يفترض أن يمثل المعترضين والساخطين وأصحاب الحاجة، يغيب في لحظات تناسب طبيعة مهامه ووظائفه، وتغيب معه الحكومة أيضاً. وما يسمح ضمنياً بتكرار سيناريو التجمهر والاعتراض أمام أسوار وأبواب الديوان الملكي هو أن مسؤولين كباراً في طاقم الديوان سبق أن استقبلوا مواطنين معترضين يطالبون بوظائف.
لا يبدو المشهد مريحاً لكل الأطراف، فالمنطق والمألوف السياسي يفترض بأن المواطن الأردني قبل مخاطبة الديوان الملكي الذي يفتح أبوابه للجميع بالعادة يفترض أن يعبر أولاً بواسطة الحكومة ومجلس النواب، وهو ما لا يحصل في كثير من المطبات والكمائن.
المفارقة أن مثل هذا السيناريو يتكرر لأن بعض مراكز الإدارة النافذة والقوية، خصوصاً في الظل، لا تترك الحكومة أصلاً وحدها على طاولة القرار والتنفيذ. ويحصل ذلك لأن مستويات الظل، وحسب مسؤول بارز في الحكومة، تدخل في كل التفاصيل.
المعنى أن الولاية العام للحكومة منقوصة، وأعضاء البرلمان يتذمرون دوماً من القيود التي تفرضها اعتبارات سيادية أو حكومية على دورهم وواجبهم في تمثيل الناس لدى السلطات والمؤسسات التنفيذية، وهو أمر يحاول التفاهم عليه منذ أسابيع رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، الذي سبق له أن أبلغ «القدس العربي» بأن استقرار التعاون في العلاقة بين السلطتين يخفف عن الحكومة وعن المواطنين والدولة في الوقت نفسه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: «لماذا يعتقد المواطن الأردني بأن مشكلته، بصرف النظر عن هويتها، لا تعالج إلا إذا لجأ للديوان الملكي؟
طبعاً هذا سؤال إشكالي، فالمؤسسات التي تعمل مع القصر لديها واجبات وهموم ضخمة. واليومي خصوصاً، مع الجائحة كورونا وتداعياتها، يستنفذ وقتاً طويلاً من طاقم مجلس الوزراء، وبالتالي تغيب الاستراتيجيات قليلاً في الوقت الذي يقر فيه كبار المسؤولين بأن الوضع الاداري والبيروقراطي مترهل وصعب ومعقد وقد لا تنفع معه وثائق الاستراتيجيات واللجان.
عملياً يمكن القول بأن منافسة الحكومة على دورها واستمرار الرغبة في التحكم والسيطرة على مجلس النواب، عناصر تدفع الناس للتحدث عند الحاجة أو الاعتراض أو الشكوى لأوساط قرار ومؤسسات أخرى، وهو وضع يقر حتى وزراء كبار بأنه مرهق ومتعب وشاذ.
المعنى هنا أن الإصرار دوماً على تقليص مساحة المناورة للحكومة ولمجلس النواب من الطبيعي أن يدفع المواطنين للبحث عن حلول لاحتياجاتهم في اتجاه أسوار الديوان الملكي في وضع يكرر موسم التداخل بين السلطات والمؤسسات، ويثبت بأن سلطتي التنفيذ والتشريع عندما تستعيدان عافيتهما يكسب الجميع وتعود الأمور إلى نصابها، خصوصاً أن عشرات المؤسسات في البلاد لها وظائف.
ما حصل حتى فجر الثلاثاء يعيد تذكير جميع الأطراف بالواقع الموضوعي، فأبواب مقر مكاتب الديوان الملكي ليست المكان المناسب لاحتواء مشاعر غضب شرعية نتجت عن مشاجرة. لأن المطلوب هنا دوماً نظام عدالة أمني وقانوني تتفرغ فيه مثل هذه الاحتقانات، بحيث لا يحتاج أصلاً صاحب حق أو حتى من يزعم أنه صاحب حق إلى التجمهر بصوت مرتفع على أبواب القصور، وتحديداً في ظروف فايروسيه معقدة قوامها الحرص على حماية المواطنين من السلالات الفايروسية الجديدة التي تتوالد كالفطر في العالم والمنطقة.
في الخلاصة، الاستنتاج واضح؛ فمنح أي حكومة مساحتها الحقيقية الدستورية والاستثمار في مجلس نيابي منتخب قوي يخفف الضغط عن أسوار الديوان الملكي.