الثمن الذي سيدفعه الرئيس
ماهر أبو طير
يرجّح اليوم الخميس أن يصدر الرئيس الفلسطيني قرارا متوقعا بتأجيل الانتخابات التشريعية، وسوف يتغطى الرئيس بذريعة تقول إن إسرائيل تمنع أهل القدس من ممارسة حقهم الانتخابي، وأن الانتخابات غير ممكنة بدون مقاعد القدس، وأهلها.
حاول الرئيس عبر اتصالات مع الأميركيين والأوروبيين أن يجد حلا لعقدة القدس، لكنه لم ينجح، فلم يتدخل الأميركيون ولا الأوروبيون عند الإسرائيليين، في هذه القصة، التي ستكون ذريعة الرئيس في تأجيل الانتخابات، والتي ستكون كلفتها كبيرة جدا على الرئيس ذاته.
الرئيس الفلسطيني يدرك منذ الآن، أن كل التقييمات تقول إن الانتخابات لو جرت فسوف تحصد مقاعدها حركة حماس في الضفة الغربية، وبشكل أقل جداً في غزة، إضافة إلى قوائم فتحاوية تعد منشقة بنظر الرئيس، بدعم من شخصيات فلسطينية، من أبرزها ناصر القدوة، ومروان البرغوثي، وغيرهما من شخصيات مقدسية، وفلسطينية تعيش خارج فلسطين، إضافة إلى وجود شخصيات مؤهلة للفوز بالرئاسة الفلسطينية ذاتها، إذا جرت، وتحديدا مروان البرغوثي، الذي ستصب كل الأصوات على الأرجح لصالحه في مقابل الرئيس.
ستكون، أيضا، حصة حركة فتح في غزة، أعلى من حماس، وأعلى بكثير من حصتها في الضفة الغربية، وهذه مفارقة تؤشر على المزاج الشعبي الذي انقلب في غزة والضفة.
الانتخابات التشريعية لن تعقد، واجتماع اليوم للفصائل الفلسطينية، قد تتجنبه بعض الحركات مثل حماس، والجهاد الإسلامي، لرغبتهما بتحميل الرئيس المسؤولية وحيدا، ولعدم رغبتهما بالاشتباك معه، بعد التوافقات على التهدئة، التي تمت خلال الفترة الأخيرة، وهكذا سوف يصدر قرار التأجيل، لحسابات كثيرة، بعضها غير فلسطيني أساسا، بل يتعلق بمحاذير من عواصم عربية، وجهات أجنبية، بشأن تركيبة البرلمان الفلسطيني، بما يؤدي إلى إضعاف الرئيس أكثر، ودخول أطراف جديدة، في تعبير عن الاحتجاج الفلسطيني على رئاسة عباس.
بهذا المعنى يستفيد الرئيس من المنع الإسرائيلي لأهل القدس، من ممارسة حقهم الانتخابي، حيث يتم توظيف المنع، لاعتبارات تتعلق بالرئيس ذاته، وليس بالمنع الإسرائيلي فعليا.
كم سيتبقى من شرعية الرئيس الفلسطيني، أمام المجتمع الدولي، والدول المانحة، إذا كانت الانتخابات سوف تؤجل، وبحيث يتحول النظام الفلسطيني إلى نظام شمولي، لا يستوعب أحدا، نظام شمولي، بلا انتخابات، وبرئيس مدى الحياة، دون أي معيار على شرعيته؟.
حركة فتح تفككت فعليا، بسبب الانتخابات وما سبقها، وهي معرضة اليوم إلى مزيد من الانشطار على خلفية إلغاء الانتخابات، والتلاعب بالأجندة السياسية الفلسطينية.
اللافت هنا، أن من يدعم الرئيس في إلغاء الانتخابات، أو تأجيلها هي الجهات الأمنية الفلسطينية، التي لها حساباتها، وترى أن إجراء الانتخابات سيؤدي فعليا إلى إسقاط عباس من جهة، وإلى توتر دولي وفقا لتقييمهم بسبب عودة حماس بشكل سياسي إلى البرلمان الفلسطيني، لكن ذات الجهات لا تقف عند كلفة إلغاء الانتخابات أيضا، على المستوى الدولي، ثم المستوى الفلسطيني الذي يواجه اليوم، أسوأ ظرف، في ظل انقسام أفقي وعامودي، انقسام بين الضفة الغربية وغزة، وانقسام بين فتح وحماس، وانقسامات داخل حركة فتح، وتوقف لعملية السلام، ورفض فلسطيني على المستوى الرسمي، لأي انتفاضة.
من المؤكد هنا، أن كل الجهات الفلسطينية المتضررة من إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، سوف تصفي حساباتها مع عباس، بطرق مختلفة، وهذا يعني أن الضفة الغربية تحديدا تدخل مرحلة صعبة، لا يمكن السيطرة عليها، ولا توقع سيناريوهاتها، والمفارقة أن من يظن أن تأجيل الانتخابات، أو إلغاءها، سيؤدي إلى تدعيم وضع الرئيس الحالي، يتعمّد أن يتعامى عن كلفة هذا القرار، الذي سيكون سلبيا جدا، على شرعية الرئيس وثباته واستقراره في موقعه.
بهذا المعنى ودون اتهامات يأتي القرار الإسرائيلي، بمنع أهل القدس، من الانتخابات، من أجل الوصول ألى قرار إلغاء الانتخابات، او تأجيلها، لحسابات إسرائيلية تتعلق برفض عودة حماس إلى البرلمان الفلسطيني، ومن أجل إغلاق الباب في وجه القوى الفلسطينية المنافسة للرئيس الحالي، إضافة إلى رغبة إسرائيل بتعميق الأزمة الفلسطينية الداخلية، على كل المستويات، وتعزيز حالة الخلافات، والانقسام بين كل المكونات الفلسطينية، والرئيس هنا، يوظف المنع الإسرائيلي، ويلتقي بمخاوفه عند مخاوف أطراف عربية، أيضا، من شكل الخريطة السياسية الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، إذا جرت الانتخابات.
الثمن الذي سيدفعه الرئيس سيكون كبيرا في الحالتين، سواء أجرى الانتخابات، أو قام بتأجيلها، وسنرى ذلك بأم أعيننا في مقبل الأيام.