“بيت السبيل” بمعان: صمود بوجه “كورونا” واستبدال الموائد بالوجبات
في الوقت الذي غيبت فيه جائحة كورونا معظم الطقوس الرمضانية المتوارثة في مدينة معان منذ شهر آذار (مارس) من العام الماضي، إلا أن "بيت السبيل” ما يزال يقف صامدا في وجه هذه الظروف الاستثنائية، من خلال الإطعام عن بعد، بتوزيع وجبات الإفطار على منازل الفقراء والمحتاجين، بدلا من إقامة الموائد الجماعية في الخيمة السابقة لـ”عابري السبيل” .
ورغم أن أزمة فيروس "كورونا” المستجد فرضت تأثيرا واضحا وتغييرات متعددة طغت على تقاليد وعادات تراثية واجتماعية، كانت جزءا من المظاهر المحببة والمألوفة لدى أبناء المدينة، غير أن القائمين على مشروع "بيت السبيل” حرصوا على إبقاء وإحياء هذه التقاليد والعادات الرمضانية، التي ورثوها عن أجدادهم، بهدف المحافظة على إرث خيري عريق.
وتتجسد هذه التقاليد في إعداد مأكولات غذائية متنوعة لم يتوقف توزيعها على مدار 20 عاما على التوالي، لتوزيع نحو 700 وجبة ساخنة يوميا بكلفة 2000 دينار تقريبا، تكفي لأكثر من 3 آلاف فرد خلال شهر رمضان المبارك، حيث خصصت لجنة "السبيل” الموسم الرمضاني لهذا العام، لإطعام فقراء ومحتاجي مدينة معان، إضافة إلى بعض عائلات اللاجئين السوريين والعمالة الوافدة المتواجدين داخل المدينة، وأصحاب المهن الحرة من الذين توقفت مصادر دخلهم، بسبب تداعيات "كورونا”.
وفرضت جائحة "كورونا” تغيير واقع حال خيمة السبيل، فأغلق المقر الرئيس المخصص لعمل الفريق التطوعي وتقليص العدد الى 20 متطوعا من أصل 50، وأزيلت خيام استقبال حافلات المعتمرين وعابري الطريق الصحراوي، ومنع إقامة التجمعات في الأماكن العامة والتي فرضتها أوامر الدفاع استجابة للشروط والضوابط الصحية.
وكانت خيمة "السبيل” في معان التي أنشأها سكان في المدينة على الطريق الدولي، قبل أزمة "كورونا” بالقرب من ميدان سليمان عرار، الذي يربط المملكة العربية السعودية ومدينة العقبة، تستقبل سابقا قوافل من المعتمرين وعابري السبيل وطلبة الجامعة واللاجئين السوريين، فاتحة ذراعيها لضيوفها بصدرها الواسع الرحب، لتقدم لهم ما يلزم من وجبات إفطار وسحور طيلة شهر رمضان المبارك، بعد عناء ومشقة السفر الطويل، محافظين على هذه العادة الاجتماعية التي يتوارثونها جيلا بعد جيل، وغايتهم منها إكرام عابري السبيل ليكونوا ضيوفا على مائدة إفطاراتهم الرمضانية، آملين بذلك في الثواب وأجر إفطار صائم.
واعتاد القائمون على "خيمة السبيل” من شباب مدينة معان منذ عشرات السنين، على اعتراض حافلات المعتمرين ومركبات المارة على الطريق "الصحراوي” لدعوة عابري السبيل، إلى تناول وجبتي طعام الإفطار والسحور طيلة أيام الشهر الفضيل، حتى وإن اضطروا للوقوف في منتصف الشارع والتلويح بأذرعهم، معرضين أنفسهم للخطر، لا لشيء سوى لكسب الأجر.
ويؤكد رئيس لجنة "بيت السبيل” الشيخ ماهر قريشة، أن اللجنة تقدم أكثر من 700 وجبة إفطار عائلية يوميا بكلفة تبلغ 2000 دينار، تكفي نحو 3 آلاف فرد من الأسر الفقيرة والمحتاجة، إضافة إلى بعض عائلات اللاجئين السوريين والعمالة الوافدة المتواجدين داخل المدينة.
وأشار قريشة، إلى أن اللجنة تقوم بإيصال وجبات الإفطار، التي يتم إعدادها على أيدي أمهر الطهاة المتمرسين إلى منازل الفئات المستهدفة، لافتا الى أنه تم تقسيم المدينة إلى 19 حيا سكنيا، تقوم فرق شبابية متطوعة بإيصال وجبة الإفطار عبر مندوب لكل منطقة حسب القوائم والكشوفات التي بحوزتهم بأسماء الأسر المستفيدة، لافتا انه تم تخفيض عدد العاملين في "بيت السبيل” الى 20 شخصا بدلا من 50 شخصا.
وبين أن تمويل "بيت السبيل”، يعتمد بشكل رئيسي على التبرعات العينية والمالية من المحسنين من أهالي المدينة، والتي تستمر طيلة أيام الشهر الفضيل، موضحا أن العمل يبدأ بإعداد وتجهيز وجبات الإفطار منذ ساعات الصباح، ويستمر حتى الساعة الخامسة مساء.
وقال إنه تقرر تغيير الموقع الدائم لـ”خيمة بيت السبيل” من وسط المدينة، كإجراء مؤقت حتى زوال الجائحة واستبداله بمكان آخر داخل منزل أحد المحسنين من أبناء المدينة، الذي تبرع بمنزله ليتم إعداد موائد الإفطار فيه، سيما وانه يبعد عن التجمعات السكنية، تمشيا مع الإجراءات والتدابير الاحترازية الحكومية في مواجهة انتشار فيروس "كورونا”، والتي تحظر إقامة التجمعات وموائد الإفطار الجماعية والتي كانت معتادة سابقا لمشروع "خيمة السبيل”، لتحقيق التباعد الاجتماعي.
وأضاف قريشة، أن اللجنة أصرت على تنفيذ مبادرتها التطوعية بالتفرغ لإطعام فقراء ومحتاجي المدينة، واستأنفت عملها ونشاطها، رغم الظروف الاستثنائية والتحول نحو إعداد الطعام وتجهيزه كوجبات غذاء، بهدف توزيعها وإيصالها لاحقا إلى منازل الأسر المحتاجة والعائلات التي توقفت أعمال عدد كبير من معيليها عبر مركبات خاصة.
ولفت إلى أن "بيت السبيل” يعد من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي والتواد والتراحم في هذا الشهر المبارك، التي اعتاد عليها أبناء معان منذ سنوات طويلة، وارتبطت تاريخيا بالمدينة وأهلها، وهو تقليد للمعاني التاريخية في تقديم وجبات الطعام للمعوزين وعابري السبيل.