التأثير الإيراني في العراق يزيد من التقارب بين الصدر وأعدائه الأمريكيين

نشرت مجلة "إيكونوميست” في عددها الأخير تقريرا عن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تحت عنوان "عدو عدوي” وتساءلت فيه عن المدى الذي سيستمر فيه تلاقي المصالح بينه وبين الولايات المتحدة.

وقالت إن الزعيم الشيعي الذي تحول من أمير حرب لأحد أعمدة المؤسسة الحاكمة في العراق أصبح نفسه محلا لاتهامات الفساد مع أنه كان يتظاهر ضد الفساد. فوزارة الصحة لم تفكر في تركيب أجهزة كشف الدخان أو رش المياه عندما أعادت تجديد مستشفى ابن الخطيب في بغداد العام الماضي. وعندما انفجرت حاويات الأوكسجين المخصصة لمرضى كوفيد-19 في 24 نيسان/إبريل انتشرت النار سريعا مخلفة 82 قتيلا على الأقل.

وترك الحريق أيضا علامة على سمعة مقتدى الصدر، رجل الدين المتقلب الذي يدير حزبه "سائرون” وزارة الصحة. واتهمه منافسوه باختلاس الأموال التي كان من المفترض أن تذهب للمستشفى.

وعلقت المجلة أن المراحل التي مر بها الصدر من أمير حرب لقائد احتجاجات إلى أحد أعمدة المؤسسة مدهشة. ويتهم اليوم بالفساد الذي شجبه في الماضي. لكن التحول في علاقته مع الرأي العام العراقي لم يكن الملمح الوحيد، بل واهتماماته. ففي الفترة الماضية بات يقترب من أعدائه السابقين، الأمريكيين.

في السنوات التي تبعت الغزو هاجمت ميليشيات الصدر القوات الأمريكية التي احتلت العراق وقتلت المئات منهم

وقال الصدر بعد إطاحة الأمريكيين بصدام حسين عام 2003 إن الرئيس العراقي السابق هو "الثعبان الصغير” ولكن الأمريكيين هم "الثعبان الكبير”. وفي السنوات التي تبعت الغزو هاجمت ميليشيات الصدر القوات الأمريكية التي احتلت العراق وقتلت المئات منهم. واليوم، حيث ستخفض أمريكا قواتها (لم يبق منهم سوى 2.500 جندي) فإن إيران هي التي تمثل التهديد الأكبر على استقلال العراق. وتمارس تأثيرا واسعا عبر ميليشيات محلية وسياسيين تدعمهم. ويرى الأمريكيون إيران تهديدا كبيرا وكذا الصدر. إلا أن علاقة رجل الدين مع إيران معقدة، فقد قضى سنوات يدرس في مدينة قم ويبحث عن حماية من منافسيه في العراق.

وفي بعض الأحيان رأت فيه إيران حليفا مفيدا، ولكنه كان من دعاة الوطنية العراقية. فعندما اندلعت التظاهرات في عام 2019 ضد الفساد والتأثير الإيراني دعمها تياره. وأشار بعض السياسيين العراقيين بإصبع الاتهام إلى إيران في الهجوم بطائرة مسيرة على منزل الصدر، عام 2019. ويبدو أن الصدر يتعامل مع التأثير الإيراني في العراق كتهديد على سلطته. ولهذا السبب رحب بالبيان الأمريكي والحكومة العراقية الذي أكد على الوجود الأمريكي في العراق. كما شجب الهجمات الصاروخية التي شنتها الميليشيات التابعة لإيران على السفارة الأمريكية في بغداد. وعرض نشر قواته "سرايا السلام” لحماية البعثات الدبلوماسية الغربية.

وقال إنه يجب تقوية علاقات العراق مع السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان الحليفتان لأمريكا والعدوتان لإيران. ويرفض الصدر المحادثات المباشرة مع الأمريكيين لكن لديه مصلحة مشتركة معهم. ودعما معا الشركة الكورية دايو وعطاءها لتطوير ميناء الفاو، جنوب- شرق العراق، وبمليارات الدولارات. وفازت على الشركة الصينية التي حظيت بدعم زعيم شيعي منافس له.

ويفكر الصدر بعقد اتفاق مع سياسيين سنة وأكراد ممن لهم علاقات قريبة من أمريكا. ودعم حكومة مصطفى الكاظمي والذي حظي بدعم الأمريكيين ويحاول الحد من تأثير إيران. ولقي الكاظمي معارضة من الأحزاب التي تدعمها من إيران. وتحميه كتلة "سائرون” التي تعتبر الأكبر في البرلمان من محاولات نزع الثقة منه. وقال مسؤول عراقي "العراق في فوضى وتملأ إيران الفراغ والصدر هو القوة الوحيدة القادرة على المقاومة”.

وهناك في الغرب من يتفق على هذا الرأي. ونجا الصدر من العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب عام 2019 على قادة ميليشيات. وفي ظل ترامب حاول المسؤولون الأمريكيون التعاون مع الصدريين عبر السفير العراقي في بريطانيا، وهو صهر الصدر. ولا يزال جوزيف بايدن يعمل على سياسته من العراق، وربما حاول تخفيف التوتر مع إيران. وهناك البعض في واشنطن يحاول تشجيع حلفاء أمريكا السياسيين في العراق للتعاون مع الصدر قبل الانتخابات المقررة في تشرين الأول/أكتوبر.

وقال محلل غربي "اركب مع الصدر وأنت تدمر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران وبعد ثمانية أعوام فكر مرة ثانية”. وهناك من يرى أن هذا تفكير خاطئ "فلا يمكن الثقة به” كما قال أحد المتظاهرين الذين تخلى الصدر عنهم. والتحذير الأكبر جاء من مقرب سابق للصدر وهو الشيخ أسد الناصري، الذي اختفى عن الأنظار الآن، ويعتقد أن هدف الصدر هو السيطرة على الدولة. وقال غيث التميمي، الذي جرد من منصبه بسبب عصيانه للصدر إن دعم الغرب له "سيكون أكبر خطأ” ويخشى أن يؤدي هذا إلى "نهاية الديمقراطية في العراق والتنازل عن البلد لديكتاتور أسوأ من صدام حسين”.