تأجيل الانتخابات الفلسطينية بطعم الإلغاء: ماذا يمكن أن تفعل القوائم الـ 36 الواعية بأهمية الانتخابات؟

بعد أسبوع ثقيل من الترقب والانتظار، جاء الإعلان الفلسطيني الرسمي عن تأجيل الانتخابات بعد مهلة ثلاثة أيام طلبها الاتحاد الأوروبي من أجل ممارسة ضغوط على إسرائيل. حيث أعلن الرئيس محمود عباس من مقر المقاطعة من رام الله وبحضور ممثلين لبعض الفصائل في بيان «مقتضب» و»انفعالي» عن تأجيل موعد الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة يوم 22 أيار/مايو المقبل، والسبب ـ ضمان مشاركة القدس في الانتخابات ترشيحا ودعاية وتصويتا.
واللافت في البيان الذي تلاه الرئيس أنه لم يقدم أي تواريخ محددة لهذا التأجيل في إشارة إلى أن الأمر سيكون مفتوحا وغير متبوع بخطة عملية واضحة يمكن السير عليها والعمل بها، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني. وبالتالي ستبقى كل الملفات العالقة والخلافية بين الفلسطينيين على حالها، بما فيها الملف الأكبر متمثلا بالانقسام الداخلي.
ذلك التأجيل ترافق مع وعود أربعة: «تعزيز الوحدة الوطنية» و»تعزيز المقاومة الشعبية السلمية» و»تشكيل حكومة وحدة وطنية ملتزمة بالقرارات الدولية» و»تعزيز منظمة التحرير» من دون أن يكون هناك أي إجراء محدد.
قرار الرئيس المتوقع والذي سربت تفاصيله قبل أيام لتهيئة الرأي العام الفلسطيني ليس إلا، جاء بعد حراك سياسي وأمل بانفراجة الحالة الفلسطينية سياسيا وقانونيا. ففي الجانب القانوني كان يمثل عقد الانتخابات وسيلة للخلاص من الحالة غير القانونية وغير الدستورية التي تعيشها كل فلسطين، وهو أمر يطال أيضا إلغاء الانتخابات أو تأجيلها لكونها قرارات خلافًا للقانون الأساسي وللقرار بقانون بشأن الانتخابات.
أما الجانب السياسي، فقد فعلت مراسيم الرئيس الفلسطيني قبل أكثر من ثلاثة أشهر فعلها في الحالة الفلسطينية، وذلك بعد توافق فصائلي على إجراء انتخابات متسلسلة وفق جدول زمني (تشريعية، رئاسية، مجلس وطني) وهو ما أثمر حراكا سياسيا بعد فترة طويلة من التكلس والجمود وانقسام سياسي لأكثر من 15 عاما مرت من دون تجديد في بنية وشرعية مكونات النظام السياسي الفلسطيني.
وهو ما يجعل من قرار التأجيل بمثابة إيقاف قطار سريع اندفع باتجاه فعل ديمقراطي مشروط بسقف الاحتلال، كانت الحالة الفلسطينية بأمس الحاجة إليه. فالقوائم الانتخابية الـ 36 عكست حركية في بنية المجتمع السياسي، وأدخلت فيه عناصر جديدة وأحلاما عريضة.
شعار «القدس أولا» الذي يصطف حوله كل الفلسطينيين كان السبب الذي رأى فيه محمود عباس مبررا للتأجيل، لكن نقطة الخلاف المركزية مع الكثير من القوائم الانتخابية ومؤسسات المجتمع المدني هو أنه قرار متدحرج في تبعاته فهو يرهن كل فعل فلسطيني بموافقة الاحتلال، وبالتالي في حال لم نكن على موعد مع انتخابات تشريعية فإننا لن نكون مع انتخابات رئاسية، وهو ما يعني أن محمود عباس سيظل رئيسا من دون انتخابات، وبقرار إسرائيلي أيضا. وهو ما يعتبر تأبيد سيطرة الاحتلال على الواقع الفلسطيني ومؤسساته غير الشرعية في رأي المحلل والكاتب زكريا محمد.
شعار عباس «إما القدس أو لا انتخابات» ذو حمولة عاطفية كبيرة عزز حضور القدس في وجدان الشعب الفلسطيني وأعادها للواجهة لكنه ورغم كونه شعارا دعائيا ناجعا إلا أنه لن يصمد طويلا لكونه لا يجيب على سؤالين: ماذا بعد؟ أو كيف ستجرى الانتخابات لاحقا؟ بل يجعلها مرهونة بقرار إسرائيلي.
فسياسة «الاجتماعات اليومية» التي أعلن الرئيس، في بيانه الأخير، أنه مستعد لها سياسة معروفة فلسطينيا وإلى أين تقود.
في حين أنه همش القدس ميدانيا، فهذه المدينة التي تم الاتكاء عليها في تبرير التأجيل كانت مركزا لأحداث مقاومة فيما سمي «هبة باب العمود» (على غرار هبّة باب الرحمة عام 2018 وهبّة باب الأسباط عام 2017) حيث حاولت سلطات الاحتلال منذ اليوم الأول من رمضان الجاري منع الفلسطينيين من التواجد في مدرج باب العمود، وهو ما رفضه أهل المدينة في ضوء مركزية هذا المكان في حياتهم وعلاقاتهم وتفاعلاتهم، وترتبت عليه مواجهات يومية لأكثر من عشرة أيام أثمرت كسر قرار قوات الاحتلال بمنع التجمع والتواجد في المكان.
وهو ما شكل حالة نضالية مهمة تم التضامن والالتفاف حولها في ظل شهر رمضان والذي تتضاعف فيه علاقة الفلسطينيين مع مدينتهم المحاصرة، فهم يسيرون يوميا رحلات بهدف الصلاة وكسر عزلة المدينة وإعمارها، وهو أمر كان من الممكن الرهان عليه لتصعيد العلاقة مع المحتل في المدينة وعموم الضفة الغربية فيما لو تم السير في خيار إجراء الانتخابات وفق خيارات بديلة تضع القدس في الحسبان.

إلى أين تتدحرج كرة الثلج؟

قطار الانتخابات السريع الذي قامت الدعاية السياسية لرئيس السلطة بتأطيره قبل شهور ثلاثة بصفته قرارا فلسطينيا-فلسطينيا ولن يسمح لأحد بأن يتدخل فيه، تم تغييره وحرف مساره حيث أبدل بشعار جديد مرتبط بمدينة القدس التي لن تجرى الانتخابات من دونها، وهو أمر جاء لاعتبارات مصلحية وحزبية ضيقة في رأي مراقبين، لكن ما لا يُعرف حتى اللحظة هو إلى أي درجة سيؤثر هذا التوقف الإجباري الذي تقف خلفه حركة فتح تحديدا في ضوء وجود تحول في الحياة السياسية الفلسطينية متمثلا بظهور قوى وتوجهات تمتلك رؤى تجديدية تقف موقفا معارضا لخيار «التأجيل ونقطة»؟
فالأمل بعقد الانتخابات جاء معبرا عن حاجة ملحة في المجتمع الفلسطيني لإجراء تغيير داخله (36 قائمة انتخابية في الانتخابات المؤجلة مقارنة مع 11 قائمة في انتخابات 2006) تعارض منها أكثر من 23 قائمة خيار التأجيل في بيان رسمي وتحرك شعبي في الميدان، وتقدم بشكل مشترك تصورات للاستمرار في الانتخابات، وهو ما تم تهميشه وتناسي وجوده.
وسيكون السؤال بعد اليوم الأول على التأجيل: ماذا يمكن أن تفعل هذه القوائم التي تقف خلف هدف مشترك مرتبط بالوعي بأهمية الانتخابات؟ وذلك بعيدا عن بيانات الدعم والإسناد لقرار التأجيل «المنسوخة عن بعضها البعض» وتقف خلفها جهات رسمية، فهذه عقلية تقليدية تتعاطى مع المجتمع الفلسطيني بعيدا عن تطوراته الأخيرة ومن دون تفهم الإشكاليات التي يعيشها ولا تبعات انسداد كل الآفاق السياسية والنضالية فيه.
فعدد القوائم الانتخابية ومؤسسات المجتمع المدني تشكل حراكا سياسيا داخليا، وبإمكانها إحداث الفرق من خلال تحولها إلى أحزاب سياسية، أو عقد تحالفات فيما بينها وتحولها إلى حركات سياسية ناشطة على أرض الواقع.
صحيح أن التأجيل غير القانوني قد تم، وقامت اللجنة المركزية للانتخابات بالإعلان مباشرة عن إيقاف العملية الانتخابية مع أملها بإجرائها «بأقرب فرصة ممكنة» وهذا الأخير يعتمد على أمرين: الأول الموقف الإسرائيلي ومقدار الضغط الذي من الممكن أن يمارس عليها من فلسطين وجهات دولية، وهي بطبيعة الحال لن توافق إلا إن كان ذلك فيه مصلحة لها أكثر من الفلسطينيين. والثاني: مقدار ما يمكن استثماره من الحالة الفلسطينية خلال الأشهر الثلاثة الماضية حيث صعدت توجهات وكتل سياسية وتحالفات وظهرت شرائح جديدة تريد أن يكون لها رأي في مستقبل فلسطين.
فهل يمكن أن تترجم هذه القوائم جهودها في سبيل مزيد من الضغط الداخلي على السلطة الفلسطينية في سبيل دفعها لإجراء الانتخابات، ومن خلال تصعيد ملف القدس وهو الأمر الذي لا تريده القيادة الفلسطينية الحالية بكل تأكيد. ومع ذلك التأثير ممكن بطبيعة الحال أمام حقيقة أن «المتغير» في الساحة الفلسطينية أصبح أكبر من «الثابت» كما أن عوامل التأثير التي تخضع لها الحالة الفلسطينية أصبحت أكثر وأبرزها القدس والحراك السياسي. وفي هذا خير كثير.
سعيد أبو معلا