الأحداث الأخيرة في فلسطين هي الفصل الأخير من تشريد شعبها بمشاركة أمريكية فاعلة
لندن- "القدس العربي”: قال رشيد خالدي، أستاذ الدراسات العربية في جامعة كولومبيا الأمريكية، ومؤلف كتاب "حرب المئة عام على فلسطين” إن ما نراه اليوم في فلسطين هو الفصل الأخير من تشريد الفلسطينيين.
وجاء في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست”: "لم تكن مصادفة أن تندلع الحادثة الأخيرة في حرب المئة عام أو يزيد على فلسطين على موضوع القدس واللاجئين. وكلاهما متداخلان في إسرائيل في تشريد وطرد الشعب الفلسطيني. ففي الأسابيع الماضية كانت التحركات الإسرائيلية في المسجد الأقصى وحوله وعملية الطرد القسرية للفلسطينيين في حي الشيخ جراح مدعاة لإشعال مواجهة جديدة غير متساوقة من العنف، يمكن تخليصها في التباين بين 10-1 من الضحايا. وكلا الموضوعين (القدس واللاجئين) يسيران جنبا إلى جنب مع هذه المقاومة التي تجري من جانب واحد ضد التشريد، وكلا الموضوعين عمل صناع السياسة الأمريكيين الذين كلفوا بوضع حد للنزاع على سحبهما تحت البساط”.
وعلق خالدي أن ما يحدث ليست أحداث "شغب” ولا "نزاع عقاري” كما يتم تكراره في التصريحات الإسرائيلية التي لا تنتهي. وأضاف أن سياق الأحداث في القدس وغزة والمناطق الأخرى في فلسطين وإسرائيل توضحه وتلخصه كلمات نائب رئيس بلدية القدس أرييه كينغ، الذي قال إن عمليات الطرد في الشيخ جراح هي بالطبع جزء من خطة وضع "طبقات من اليهود” في كل أنحاء الجزء الشرقي من المدينة و”تأمين مستقبل القدس كعاصمة يهودية لكل الشعب اليهودي”.
في الأسابيع الماضية كانت التحركات الإسرائيلية في المسجد الأقصى وحوله وعملية الطرد القسرية للفلسطينيين في حي الشيخ جراح مدعاة لإشعال مواجهة جديدة غير متساوقة من العنف
ويرى الكاتب أن عملية التهويد قائمة على منطق المستوطن الاستعماري الذي يعمل في كل عمليات المصادرة للبيوت والأراضي وتشريد ملاكها الفلسطينيين في داخل إسرائيل منذ عام 1948 و1967 وفي القدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وكان هذا المنطق وراء المسيرات التي يقوم بها القوميون الدينيون اليهود المسلحون في الأحياء العربية بالقدس وتحت حراسة قوات الأمن الإسرائيلية، والهجوم واستفزاز السكان فيها. وكان المنطق وراء محاولة إسرائيل منع الفلسطينيين من الاستمتاع بليالي رمضان في بوابة دمشق، التي تعتبر واحدة من بوابات قليلة لا تزال مفتوحة قرب المسجد الأقصى.
وهو المنطق وراء هجوم الجنود على المصلين في المسجد الأقصى ليلة بعد أخرى في الليالي العشر الأخيرة من رمضان، بما في ذلك إطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيلة للدموع داخل المسجد الذي يعتبر ثالث المساجد المقدسة للمسلمين في العالم.
وتساءل الكاتب عن ردة فعل العالم لو حدث هجوم مماثل على كنيسة كبيرة أو معبد يهودي أثناء عطلة دينية؟ قائلا إن "ما يجري تطبيقه هنا هو منطق قانون 2108 الذي رفع مبادئ الصهيونية السياسية الأساسية إلى مستوى المبدأ الدستوري وأن الشعب اليهودي له الحق في تقرير مصيره في أرض إسرائيل”.
ويضيف خالدي أن إسرائيل تقوم منذ 1967 بتوسيع سياستها على فلسطين الانتدابية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط في عملية زاحفة لا ترحم من الضم. واعتبر قانون 2018 "المستوطنات اليهودية قيمة وطنية” مما يعني أن الشعب الفلسطيني لا حقوق وطنية له في أرض أجداده، وأن تشريده وطرده هو جهد إسرائيلي ضروي.
ويقول الكاتب إن المنطق التمييزي يوضح السبب الذي وضعت فيه إسرائيل جهاز القمع تحت تصرف المتطرفين الدينيين وهم يقومون بطرد الفلسطينيين من بيوتهم بزعم أن الأملاك التي يعيشون فيها في الشيخ جراح هي ملكية يهودية. ويحرم القانون الذين هجروا من بيوتهم في حيفا ويافا والقدس الغربية من المطالبة بحقوقهم التي أخذت منهم في 1948.
وقال خالدي إن الأزمة تثبت بطلان أسطورة مهمة، وهي أن الفلسطينيين منقسمون ويائسون ومحبطون وعليهم الرضوخ لأي شيء تفرضه إسرائيل عليهم. وربما كان الفلسطينيون منقسمين من الناحية السياسة، ولكنهم سواء عاشوا في القدس، الضفة الغربية، غزة أو الشتات، فهم يواجهون نفس عملية التشريد الحديدية والتمييز المقنن المتأصل في مشروع إنشاء الدولة التي كانت غالبيتها من اليهود وستصبح قريبا ذات غالبية عربية.
الأزمة تثبت بطلان أسطورة مهمة، وهي أن الفلسطينيين منقسمون ويائسون ومحبطون وعليهم الرضوخ لأي شيء تفرضه إسرائيل عليهم
ومن هنا فوحدتهم في مقاومة التشريد بزرت من الاحتجاجات سواء في القدس أو اللد والرملة وعكا وحيفا وقطاع غزة. ويقول خالدي: "طالما ظلت الولايات المتحدة تتجاهل المبدأ الأساسي في المساواة المطلقة في فلسطين/ إسرائيل -وهي مساواة لم تدع إليها أبدا- فستظل جزءا من المشكلة لا الحل. ويعلق الخالدي أن ممثلي إسرائيل يتحدثون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكن ماذا عن حق الفلسطينيين بمقاومة 73 عاما من تشريدهم؟
ويرى الكاتب أن حلا دائما ومستديما قائما على دولتين أو دولة واحدة يجب أن يجسد المساواة المطلقة للشعبين بما في ذلك الحقوق الجمعية، الوطنية والسياسية وكذا الدينية والملكية والحقوق المدنية. وحتى تقبل الولايات المتحدة بهذا المبدأ وتنفذ قرارات الأمم المتحدة التي صوتت عليها سواء بشأن القدس أو الاستعمار الإسرائيلي، وحتى تطبق بشدة القوانين بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية وتعتبر مبدأ "الجماعات الخيرية ” في قانون الضريبة "الجماعات الأمريكية 501 (س) (3) والذي يتم من خلاله تمويل النشاطات الاستيطانية في خرق واضح للقانون الدولي، فلن تكون لاعبا محايدا، بل هي لاعب ناشط إلى جانب إسرائيل في عملية تشريد الشعب الفلسطيني.