بعد صدور قرار من المحكمة الأوروبية.. بضائع المستوطنات في طريقها للمنع من دخول أوروبا قريباً

لندن – ”القدس العربي”: "قرار قضائي يمنع دخول بضائع المستوطنات إلى الدول الأوروبية”، عنوان قد يتصدر الصحف والمواقع الإخبارية خلال الأشهر المقبلة، بعد أن تمكنت جماعة مناصرة للقضية الفلسطينية من استصدار قرار من محكمة الاتحاد الأوروبي، الأربعاء الماضي، يسعى لفرض حظر على استيراد ما يسمى "بضائع المستوطنات الإسرائيلية”، في الأراضي المحتلة.

القرار الذي ألغى التماساً قدمته المفوضية الأوروبية عام 2019 بعد تذرعها بأن المبادرة المقدمة من ثمانية مواطنين أوروبيين بمنع دخول تلك المنتجات، ليس من صلاحياتها، سيترتب عليه تبعات اقتصادية أخرى على المديين القريب والبعيد، قد تهز موازين الاقتصاد الإسرائيلي، وتدفع باتجاه تأصيل الحقوق الفلسطينية في محافل عدة.

مازن الرمحي، رجل الأعمال الفلسطيني المقيم حالياً في بودابيست، هو أحد الذين قادوا تحركا لرفع دعوى قضائية في المحاكم الأوروبية، لمنع دخول بضائع المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، قال في حديثه لـ”القس العربي” ”لن نتوقف في نضالنا من أجل دعم حقوق شعبنا، إسرائيل تسرق مواردنا منذ سنوات وجاء الوقت الذي يجب أن تتوقف، اخترنا أن نذهب للقضاء كي تكون قراراته مُلزمة لكل الأطراف، وسننجح، هكذا تقول المعطيات”.

رجل الأعمال الفلسطيني مازن الرمحي: لن نتوقف في نضالنا من أجل دعم حقوق شعبنا، اخترنا أن نذهب للقضاء كي تكون قراراته مُلزمة لكل الأطراف، وسننجح، هكذا تقول المعطيات.

أصل الحكاية بحسب الرمحي، يعود لعام 2012، عندما قرر عدد من فلسطينيي أوروبا التوجه للمحاكم المحلية في بلجيكا، لاستصدار القرار الذي انتظره الفلسطينيون طويلاً، لكن المحاولة الأولى لم تنجح.

وأضاف:” أخفقنا لأننا كنا في طور التفكير في كيفية بلورة المبادرة المطلوبة لاستصدار القرار، لم يكن لدنيا الخبرة الكافية، ولا المعلومات الكاملة التي قد تعزز مطلبنا” متابعاً "لكننا لم نستسلم، حاولنا مره أخرى ومرات، وأعتقد أننا نسير في الطريق الصحيح”.

وأكد في الوقت ذاته، أن إخفاقهم في المرة الأولى، دفعهم للتفكير بالطرق الإجرائية الممكنة من أجل الحصول على القرار، فكان الخيار هو البحث عن تجربة مماثلة في العالم، تكون قد نجحت في الحصول على قرار قضائي يمنع استيراد بضائع من أراضي محتلة، فكانت تجربة "جبهة البوليساريو” هي التجربة الأمثل، رغم أنها ليست أراض محتلة.

رجل الأعمال الفلسطيني مازن الرمحي

وكانت محكمة العدل الأوروبية نظرت في مارس/ آذار الماضي في طعن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر في اتفاقيات تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، كانت تتيح للرباط تصدير منتجات زراعية وأسماك من الأقاليم المتنازع عليها.

وعن هذا يقول ”إسرائيل تسيطر على الأراضي الفلسطينية، وتقيم وحداتها الاستيطانية، وتقوم بإنتاج وإصدار المنتجات وتصديرها على أنها منتجات إسرائيلية، مستغلة موارد الفلسطينيين كافة، والقوانين الأوروبية تجرم استيراد المنتجات المصدرة من دول تقع تحت الاحتلال، إذن هذا هو الطريق الذي يجب أن نسلكه”.

ولفت إلى أنه بادر بالاتصال مع ذات المحامين الذين ترافعوا في القضية المذكورة، ومنها كانت البداية، حيث قمنا بحشد عدد لا بأس به من المناصرين الأوروبيين، من بينهم محامون وأساتذة جامعات، وتقدمنا بمبادرة للمفوضية الأوروبية لمنع دخول المنتجات المصدرة من المناطق المحتلة، دون الإشارة للمستوطنات ولا لإسرائيل .

وردا على سؤال عن السبب لعدم الإتيان على ذكرهم قال الرمحي :” تحديد اسم المستوطنات سوف يضعنا في دائرة العداء، ونحن لا نسعى لهذا، هدفنا أن نستصدر القرار بهدوء دون تأجيج العراقيل في طريقنا، ولكن المنطق يؤكد أن لا أراضي محتلة سوى الأراضي الفلسطينية، وبالتالي القرار سيكون في صالحنا كفلسطينيين”.
وأشار إلى أن الذكاء في استخدام المصطلحات المتعلقة بالمبادرة من قبل المحامين الذين تدارسوا القضية بشكل معمق، ورغم رفض المفوضية الأوروبية التعاطي مع المبادرة بحجة أن الأمر ليس من اختصاصها، وأن التعاطي مع المبادرة قد يضُر بطرفٍ ثالث ويقصد به هنا "إٍسرائيل”، إلا أننا توجهنا للمحكمة الأوروبية التي أكدت أن على المفوضية الأوروبية النظر في المبادرة ومناقشة المتقدمين بها والخروج بنتائج عملية.

وتابع:” هذا بالضبط ما كنا نسعى له، الحصول على قرار قضائي مُلزم سيدفعنا للحصول على نتائج عملية بشأن منع دخول بضائع المستوطنات”.

وقالت المحكمة العامة في لوكسمبورغ في بيان أصدرته، "إن المفوضية الأوروبية لم تقدم تفسيراً مقنعاً للأسباب التي دعتها لعدم تسجيل مبادرة الموطنين الأوروبيين”.

وتقوم المبادرة التي قدمها المعارض للتجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والأستاذ الجامعي توم مورنهوت ومعه ستة مواطنين أوروبيين، عام2019، على مقترحات للتشريع يتعين على المفوضية الأوروبية النظر فيها عندما تكون مدعمة بتوقيعات مليون مواطن من مواطني الاتحاد الأوروبي.

وعن الآثار المترتبة على هذا القرار يقول رجل الأعمال الفلسطيني، ورئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا سابقاً، "إن هذا القرار سيساعد الجماعات والمؤسسات الأوروبية وأعضاء في البرلمان الأوروبي الداعمين للقضية الفلسطينية في اتخاذ قرار أوروبي بمنع استيراد بضائع المستوطنات وعدم الاكتفاء بالإشارة أنها من إنتاج المستوطنات”.

أحد مصانع الأقنعة الواقية في مستوطنة إسرائيلية

وأكد أن القرار سيتلوه قرارات أخرى قد تجبر الاتحاد الأوروبي على وقف كامل لاستيراد تلك المنتجات، إذ تهدف المبادرة لمنع الشركات الأوروبية من استيراد السلع المنتجة في المستوطنات التي تعتبرها أغلب الدول غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتصف تلك التجارة بأنها مخالفة للقانون.

اللافت في القرار بحسب الرمحي، هو أنه ينضوي تحت لواء الأوامر القضائية المتعلقة بالاتفاقيات الاقتصادية، هو قرار اقتصادي بحت وليس سياسيا، ما يعني أننا قد نشكك في الاتفاق التجاري بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وليس فقط منع دخول بضائع المنتجات، إسرائيل لن تكون قادرة بعد نفاذ فترة الاستئناف المقدرة بثلاثين يوما بدأت من يوم الأربعاء الماضي، وبعد بدء مناقشة مضمون المبادرة مع المفوضية الأوروبية، من تصدير كامل منتجاتها للاتحاد الأوروبي.

” هذا قد يندرج في إطار جرائم الحرب، علاوة على أنه يخالف قوانين الاتحاد الأوروبي، وسيتيح لنا المطالبة بالتعويض عن كل البضائع التي تم تصديرها أو المتوقع تصديرها خلال الفترة المقبلة” هكذا يقول الرمحي.

وأشار إلى أنه سيكون من حق السلطة الفلسطينية، أو منظمة التحرير بصفتهما الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، برفع قضايا في المحاكم الدولية، تجبر إسرائيل ومعها الاتحاد الأوروبي على تعويض الفلسطينيين عن كل الأضرار التي لحقت بهم جراء استخدام مواردهم كافة من أجل تحقيق منفعة اقتصادية إسرائيلية أوروبية بحته.

وتابع:” لا زال لدينا متسع من الوقت للاستفادة من المحاكم الدولية”.

أما عن الكيفية التي يمكن من خلالها رصد الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين طوال استغلال إٍسرائيل لمواردهم، وإنتاج وتصدير المنتجات على أنها إسرائيلية، فيشير الرمحي إلى أن استنزاف الأرض، والهواء، والطاقات والكوادر البشرية، حتى استخدام الطرق والشوارع التي تسير فيها العربات التي تقل البضائع المذكورة، كلها يمكن أن ترصد ضمن الأضرار التي سيكون من حق الفلسطينيين المطالبة بالتعويض عنها، الأهم الآن هو قبول المفوضية الأوروبية بقرار المحكمة ومناقشة المبادرين للبدء بالإجراءات العملية.

العمل على إقناع المفوضية ببدء الإجراءات العملية، سيتركز على جمع أكبر عدد من التوقيعات، والتي سيتم العمل عليها بحسب الرمحي من خلال صياغة مضمون العريضة المراد التوقيع عليها بلغات العالم كافة، وتوزيعها إلكترونياً ويدوياً لأكبر عدد ممكن من المواطنين الأوروبيين، بدءاً من الجاليات الفلسطينية المقيمة في أوروبا، أو المناصرين للقضية الفلسطينية، والبرلمانيين، وسيكون هناك تعاون مع حركة المقاطعة الدولية BDS، كما سيجرى العمل مع أطراف فلسطينية متنفذه في السلطة الفلسطينية كوزارة الاقتصاد الوطني التي تابعت من البداية كل التحركات المذكورة سابقاً، والتي يبدو أنها ستكون داعمة لكل الخطوات المقبلة.

وأَضاف ” نأمل أن يكون هناك اقتناع لدى السلطة الفلسطينية بأن ترفع قضية في المحافل الدولية، من أجل تأكيد عدم شرعية المستوطنات وبالتالي حقنا في هذه الأرض، وكذلك المطالبة بالتعويض عن كل ما فات وما قد يكون آت”، وتابع "الاعتراف بعدم شرعية المستوطنات هو إقرار بحقنا الكامل على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما نطمح إليه”.

وبالحديث عن الخطوات المقبلة، لفت إلى أن على المبادرين الانتظار حتى يصبح قرار المحكمة الأوروبية نافذا لا تراجع فيه بعد انتهاء فترة الاستئناف، وأن تبدأ المفوضية الأوروبية بمناقشة المبادرة، والتحاور مع المتقدمين بها لمعرفة أسباب تقديمهم، والذين سيقومون بدورهم بتقديم كل الأدلة التي تؤكد حجم الضرر الواقع على الفلسطينيين، ومن ثم سيتزامن الأمر مع جمع التوقيعات اللازمة وبذلك نكون قد وصلنا لمرحلة متقدمة.

وعن سؤال "القدس العربي” عما إذا كان الأمر سيستغرق وقتاً طويلا، وأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه التحركات، قال الرمحي ” الوقت قد يكون طويلا لكننا أصحاب الحق وأصحاب النفس الأطول”.