استبعاد تأثر طويل الأمد للاقتصاد الإسرائيلي بسبب الصراع مع غزة

رويترز: يُظهر التاريخ أن الصراعات الإسرائيلية الفلسطينية نادراً ما تلحق ضررا دائما بالأسواق في إسرائيل، إذ يبدو المستثمرون، المباشرون وغير المباشرين على السواء، أكثر اهتماماً بمتانة الاقتصاد الذي يزخر بأموال وفيرة مستثمرة في قطاع التكنولوجيا.
وشهد الشيكل الإسرائيلي وسوق الأسهم أسوأ أسبوع لهما منذ مارس/آذار تحت وطأة ليالٍ وأيام من الضربات الإسرائيلية الصاروخية على حركة حماس في قطاع غزة وهجمات الفصائل الفلسطينية على المدن الإسرائيلية، بالتزامن مع تراجع في الأسواق العالمية الأسبوع الماضي، لكن معظم تلك الخسائر جرى تعويضها بالفعل.
والاقتصاد الإسرائيلي على طرف نقيض من اقتصاد غزة، حيث قدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن 56 في المئة من السكان البالغ عددهم مليوني نسمة كانوا يعيشون تحت خط الفقر في 2017 بعد عشر سنوات من الصراعات والقيود المفروضة على التجارة وحركة الأفراد، والتي تقول إسرائيل أنها ضرورية لحماية أمنها من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم القطاع. كما تفرض مصر قيوداً مشددة على الحدود هي الأخرى، بسبب ما تقول أنها بواعث قلق أمنية.
ومع دخول أعمال القصف أسبوعها الثاني، يقول محللون أن فترات التوتر الشديد في العشر سنوات الأخيرة – في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ويوليو/تموز 2014، وسبتمبر/أيلول ،2015 ومارس/آذار 2018 – توضح أن أسواق المال الإسرائيلية لا تأبه كثيراً بالصراع.
وخلُص اقتصاديو بنك «مورغان ستانلي» الأمريكي إلى أن فروق أسعار الإئتمان -وهي العلاوة التي يطلبها المستثمرون لحيازة السندات الإسرائيلية بدلاً من السندات الأمريكية الأعلى تصنيفاً- اتسعت بالفعل بين عشر نقاط أساس و15 نقطة في جميع تلك الفترات، لكنها عادت إلى مستوياتها السابقة في غضون شهر أو شهرين. وشمل ذلك أيضا الأردن ومصر المجاورتين، واللتين يتأثر دخلهما المهم من السياحة الأجنبية بالتوترات الإقليمية.
لكن ما حدث هذا الشهر أن علاوات السندات الإسرائيلية تقلصت في واقع الأمر.

لوجود فائض قياسي في ميزان المعاملات الجارية

وقال محللو «مورغان ستانلي» يوم الجمعة الماضي «هذا مدهش بعض الشيء.. ليس في ضوء السوابق التاريخية فحسب، لكن لأن علاوات المخاطر الجيوسياسية في إسرائيل إنما كانت منخفضة قبل مايو/أيار.»
يعزو آخرون تلك المتانة إلى فائض قياسي في ميزان المعاملات الجارية يبلغ خمسة في المئة – بما يعادل 20 مليار دولار – مع تدفق الأموال على قطاعي التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الدوائية الإسرائيليين، إلى جانب تقلص واردات الوقود بفضل اكتشافات الغاز.
فقد جمعت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية حوالي 5.5 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، بما يتجاوز نصف إجمالي العام الماضي بأكمله، ويتوقع بنك إسرائيل المركزي أن ينمو الاقتصاد 6.3 في المئة هذا العام.
أما الشيكل، فقد أضعفه تيسير كمي بأكثر من 60 مليار شيكل (18 مليار دولار) أجراه البنك المركزي خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يحد من فرص مزيد من التراجع.
وقال بيتر كيسلر، مدير الصندوق في «تريوم كابيتال» للاستثمار «أعتقد أن الشيكل كان سيضعف لو كان هناك خطر اندلاع حرب أشد.. لكن في حقيقة الأمر فإن لدى إسرائيل ميزان معاملات جارية قوي.»
وتبدي سوق تل أبيب للأسهم متانة هي الأخرى. وكانت البورصة تراجعت بالفعل خلال المواجهات السابقة، لكن أداءها لم يكن أسوأ كثيراً من الأسواق الأخرى إلا أثناء الحرب البرية بغزة العام 2014.
أما هذه المرة، فقد تفوق أداء سوق تل أبيب على مؤشر «إم.إس.سي.آي العالمي» على مدار الأسبوع الأخير، وهو قاب قوسين أو أدنى من ذروة قياسية.
ورغم أن تنامي ضغوط التضخم يدفع عوائد السندات للارتفاع، فإن عوائد سندات أسواق رئيسية مثل السوق الأمريكية ترتفع على نحو أسرع، مما يعني أن فروق الأسعار التي تحظى بالاهتمام إنما تتقلص.
وقال جوناثان كاتز، كبير اقتصاديي السوق لدى «ليدر كابيتال» الإسرائيلية «ما تقوله السوق بالأساس هو إن هذا الصراع ليس قصة اقتصادية.»
لكنه قد يصير كذلك. فوكالة «فيتش» للتصنيفات الإئتمانية تقول أن حقيقة أن القتال الدائر في غزة وحولها تصاحبه هذه المرة صدامات داخل إسرائيل بين اليهود والأقلية العربية التي تشكل 21 في المئة من السكان تنطوي على مخاطر جديدة، بالتزامن مع فشل انتخابات هي الرابعة خلال ثلاث سنوات في إفراز حكومة مستقرة.
يضاف إلى ذلك أن إجراءات التعامل مع تداعيات جائحة فيروس كورونا رفعت نسبة الدَين الإسرائيلي إلى 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 60 في المئة.
ويوم الجمعة الماضي أبقت وكالة «ستاندرد أند بورز غلوبال» على تصنيفها لإسرائيل البالغ «إيه.إيه ناقص» دون تغيير، متوقعة استقرار مستوى الدَين لبعض الوقت، وإن أقرت بأن الإنفاق العسكري قد يرفعه.
وقالت «الضغوط قد تتزايد على التصنيف إذا طال أمد المخاطر الأمنية والسياسية ذات الصلة بالانفجار الحالي.»
لكن المستثمرين الذين اقتنصوا سندات إسرائيلية وصلت قيمتها إلى 17.6 مليار دولار في الأسواق العالمية العام الماضي – في ثاني أكبر حجم إصدارات بين الاقتصادات الناشئة – لا يرون ما يبرر العدول عن رأيهم.
وترى ماي دوان، الاقتصادية في «بنك أوف أمِريكا» أن الأسواق أصبحت معتادة على الصعوبات الإسرائيلية، وتقول «ما نجده في العادة… هو أن التأثير على متغيرات مثل عوائد السندات وأسعار الصرف يكون مؤقتا، وأن العوامل الأساسية للبلد لا تتغير.»
(الدولار يساوي 3.2712 شيكل إسرائيلي).