أي إعلام سيحمل روايتنا؟

مكرم أحمد الطراونة

يكثر الحديث في الأروقة عن تغييرات مرتقبة في عدد من المؤسسات، حيث يرى العديد أن البداية كانت مع تولي جعفر حسان إدارة مكتب جلالة الملك، ومرورا بقيادة غير مباشرة للإصلاح السياسي يقوم بها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز. المؤشرات تتحدث عن أن ذلك يتم بهدوء، لكنه لن يتعدى شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
المنطق يقول إنه وفي ظل التحولات السياسية الإقليمية والدولية، والأوضاع الاقتصادية الداخلية الصعبة، فإن التغيير بات أمرا ملحا على جميع الأصعدة إذا ما أردنا أن نشكل هويتنا الخاصة بنا، مع الأخذ بعين الاعتبار دور الإعلام المحوري في هذه العملية.
خلال الأيام الأخيرة كنت جزءا من لقاءين منفصلين مهمين لمناقشة حال الإعلام الأردني، وجرى فيهما التأكيد على أن إحدى ركائز الدولة الأردنية تحتاج إلى إعادة ترتيب بشكل كامل، وهذه الركيزة هي إعلام الدولة الذي لم يتمكن من تأدية دوره في أكثر من مفصل؛ داخليا وخارجيا، الأمر الذي ترك ندوبا كبيرة يصعب مداواتها بفشله في تقديم الرواية الأردنية بزخمها كاملا في أكثر من مسألة مركزية.
اليوم نخسر الكثير جراء عدم قدرتنا على تحقيق اشتباك حقيقي مع المواطن من ناحية، ومع الآخر من ناحية أخرى، فيما نرى دولا تستطيع ماكنتها الإعلامية فرض روايتها على سياقات عربية ودولية، بفعل قدرتها على التأثير في المتلقي، والوصول إليه والاشتباك معه بشكل إيجابي.
مؤخرا، عشنا عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، وقد حاول البعض تهميش دور المملكة أو التقليل منه في هذا السياق. كثير من الأردنيين تساءلوا عن سبب عدم ذكر الأردن في خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن الأخير، أو في تصريحات الاتحاد الأوروبي، بينما كانت الدبلوماسية الأردنية، بقيادة جلالة الملك، تبذل أقصى جهودها، وهو الذي أوعز لوزير الخارجية بالقيام بجولات مكوكية على رأسها زيارته للولايات المتحدة ولقاء نظيره الأميركي، من أجل تعرية سياسات الاحتلال، ودعم الأشقاء الفلسطينيين.
من حق الناس التساؤل عن ذلك، فهم حريصون على ضرورة أن يواصل الأردن دوره التاريخي في هذا الإطار، والذي يؤديه بكل أمانة. وفي الوقت الذي يبرز فيه آخرون ويغيب اسم الأردن، فمن المنطق ألا يشعر المواطن بالراحة.
الناس، بالتأكيد، لن يذهبوا إلى تحليل ما يحدث، خصوصا عندما تقدم لهم وجبة من التحليلات غير المبنية على وقائع واضحة مصدرها الإعلام الخارجي أو مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يغيب المسؤولون الأردنيون عن المؤسسات الإعلامية، ولا يتصدون لشرح آليات إدارة الحكومة لملف عدوان الاحتلال على غزة، وكيفية التعامل معه!
رأينا نصرة الشارع الأردني للأشقاء في فلسطين، بينما لم تنجح الحكومة في تسويق هذه الهبة لا داخليا ولا خارجيا، لا على المستوى السياسي، ولا على المستوى الأمني. لم تنجح الحكومة ولا الإعلام الرسمي في تسويق المنجز بشكل صحيح يعود بالفائدة على الوطن، في الوقت الذي انشغل فيه الإعلام العربي بخصوصياته، فقام بدوره بشكل احترافي، خصوصا في دول محددة.
الدولة باتت اليوم على مفترق طرق، وأعلم جيدا أن المشهد الإعلامي يأخذ مساحة واسعة من تفكيرها أكثر مما سبق، فهي تعد ما تعده بهذا الإطار إدراكا منها أن الوقت يدهمنا. لكن ما يهم هو ما هي مخرجات هذا الاهتمام وأدواته وإمكانياته، ومن أين يجب أن نبدأ على الصعيدين؛ المحلي والخارجي، وما هو شكل الإصلاح الحقيقي، ومن يحدد ملامحه؟
من دون مشروع إعلامي وطني يعيد آلية الاشتباك مع المواطن والآخر، خصوصا الجيل الجديد، فإننا سنواصل خسارة جميع معاركنا، وسنفشل في تسويق كل منجزاتنا وأدوارنا الحقيقية. يجب أن نتجاوز حدود الأردن، وألا ننتظر أن يتحدث الآخرون عنا.. فهم لن يفعلوا.