أدبيات المعارضة الأردنية على لسان «القصر» ..
يبدو أن الفرصة أصبحت مواتية سياسياً في الأردن للسير نحو خطة إصلاحية سياسية جديدة لها علاقة هذه المرة ليس فقط بالأدوات لكن بالمنهجية التي اتبعت بالماضي في إدارة الأمور.
الملك عبد الله الثاني تحدث أمس الأول عن تجديد الدولة عشية المئوية الثانية لها.
وهي عبارة تستعمل في لقاءات الملك الشعبية تقريباً لأول مرة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما يحتفظ به الذهن الملكي من إجراءات وتغييرات في غضون الأسابيع القليلة المقبلة وعملياً وبشكل جزئي ومباشر قبل زيارة مهمة جداً يفترض أن يقوم بها الملك إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما بين شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو.
ولا يمكن بعد معرفة الحدود التي يمكن أن تتجه إليها مسألة برامجية جديدة من طراز تجديد الدولة، علماً بأن رئيس مجلس الأعيان المقرب من القصر الملكي، فيصل فايز، كان قد تحدث عن الحاجة أيضاً ولأول مرة إلى تغيير النهج العام والوطني، وهي أحاديث كانت بالعادة ترد على لسان أطياف المعارضة وحراكات الشارع التي طالبت عشرات المرات بتغيير النهج وطريقة التعامل مع الأمور وليس تغير الأدوات فقط.
«أوراق الملك النقاشية» و«النهج» وتجديد الدولة
ومن المرجح أن مسألة تغيير المناهج وتجديد الدولة وتحديثها مرتبطة أكثر الآن بالغبار الذي ينفض وبوضوح وقوة عن ما يسمى بالوثائق المرجعية السبع، وهي عبارة عن أوراق ملكية طرحت للنقاش قبل عدة سنوات وتجاهلتها الحكومات.
وأعاد الملك شخصياً الاعتبار للأوراق النقاشية، وتحدث عن عملية إصلاح ومراجعة للتشريعات في اتجاهات الاقتصاد والسياسة والإدارة بالتوازي هذه المرة مع وضع الأوراق النقاشية الملكية كإطار عام للنقاش والحوار.
وتدل كل هذه التقييمات والمراجعات على ورشة عصف ذهني غير مسبوقة منذ سنوات طويلة داخل مركز القرار أو في مطابخ القرار الأردني.
ويبدو واضحاً لجميع المراقبين والخبراء بأن هذا العصف الذهني قد ينتهي بتغيير آليات وتقنيات الإدارة في المناصب العليا على بعض المستويات على الأقل، لكنه قد لا يقف عند مسألة تغيير النهج أو حدودها الإصلاحية بقدر ما يقف أيضاً على أعتاب تغيير ينتظره ويترقبه الجميع على صعيد المناصب العليا في إدارة الدولة.
ويثير ذلك مبكراً تجاذبات واستقطابات وأحياناً خلافات بدا يلمسها الجميع حتى داخل مجلس السياسات المركزي أثناء نقاشات كبار المسؤولين.
وتؤشر معلومات ومعطيات على أن علاقات العمل والتعاون قد لا تكون صحية بين بعض مراكز القوى والشخصيات البارزة التي تدير الأمور.
وهو أمر يفترض أن ينتهي بأقرب وقت ممكن عبر دعم القصر الملكي لسياسة العمل الجماعي تجنباً للتجاذبات والاستقطابات. ولم تعرف بعد الحدود التي يمكن أن تصلها المراجعة الشاملة التي يتحدث عنها الرئيس الفايز. ولم تعرف أيضاً الحدود التي يمكن أن تطالها الاستجابات الإصلاحية السريعة التي أعقبت استقبال وفد أمريكي رفيع المستوى الأسبوع الماضي في عمان خلافاً لأن الحديث عن تطبيقات أو بروتوكولات تطبيقية مباشرة وسريعة تنفيذية وإجرائية لمضامين الأوراق النقاشية قد يؤدي إلى تحولات في الإدارة السياسية، وفي النهج المتبع في أكثر من ملف حيوي وحساس، والانطباع بأن الدولة بصدد تقديم تنازلات عند محطات مراجعة التشريعات الإصلاحية والسياسية، تحديداً المهمة، وهي تنازلات يطالب بها الشارع لإدارة الأمور بصورة منطقية ومنصفة.
التوجيهات التي يمكن رصدها من عملية العصف الذهني التي تدار في أكثر من رواق وأكثر من مطبخ على مستوى الدولة الأردنية، وكذلك حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة، تشير إلى استجابة المطلوب منها أن تكون ديناميكية ومرنة وليست تكتيكية فقط، حيث إن الاستمرار في إدارة الأمور كما كان يحصل في الماضي لم تعد مطلوبة ولا ممكنة وغير منتجة، وفقاً لوزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، الذي استمع له مسؤولون بارزون وبدأ يتواصل معهم مؤخراً بعد سنوات من القطيعة مع القصر الملكي ونخبة من المستشارين المقربين من مركز القرار.
وهذه الحوارات يفترض أن تعقبها قريباً حوارات مباشرة أكثر مع طيف أوسع من السياسيين، قد يشمل الإسلام السياسي بتعبيراته التنظيمية المعروفة لدى الأردنيين.
والحديث هنا بالتالي عن حوار مأمول ومرتقب، وكان عبارة عن مهمة شاقة وصعبة مع الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين، فيما كان الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة قد طرح، مبكراً، شعار عدم الحاجة إلى الحوار المباشر مجدداً، على أساس أن مشكلات الإصلاح السياسي يعرفها النظام وتعرفها الدولة، مقترحاً أمام «القدس العربي» بأن تذهب الدولة ومراكز القوى فيها إلى محاورة نفسها، وترسيم حدود التغيرات التي ينبغي أن تحصل، والضمانات لإطلاق عملية إصلاح سياسي شاملة تعالج حتى المأزق الاقتصادي والمالي، بعدما أعلن البنك الدولي بأن نسبة البطالة في قطاع الشباب نحو 50% في الأردن.
وهو رقم أثار رعب القطاعين العام والخاص، وتسبب بهزة غربال نقاشية حادة ينبغي أن تضع لها الحكومة خطة طوارئ مبكرة وسريعة وفعالة، وهو ما يعمل عليه الآن الرئيس الخصاونة، في الوقت الذي يفترض أن تتقدم الحكومة بخطط تنفيذية منتجة لا علاقة لها بالحسابات السياسية الإصلاحية الضيقة.
بسام البدارين
القدس العربي