هل تستعيد حركة "فتح" توازنها وهيبتها أم ننتظر "تسونامي" يقلب بؤرة الصراع لصالح المستعمرة ..؟؟

 

خاص- حسن صفيره
في الشأن الفلسطيني، لا يختلف اثنان على تحوّل مفاصل القضية الفلسطينية إلى "أفول قضية"، إزاء حجم التنازلات التي حملت مسمى انهزامي يٌعرف بـ"التسويات"، لحين ما تم تجزيئ القضية الى ملفات، وئدت  فكرة "القضية" إلى أجلٍ غير مسمى.

 

حركةُ فتح، التي بلغت من الكبر عتيا، وبدأت في الإضمحلال بتهافت منسوبها القيادي والنضالي، بعد اتفاقية "أوسلو"، بدأت تخرج فعليا من مضمار الوجود المٌقاوم، بيد أن قياداتها الحقيقية، أصبحوا رموزا، بعدما واراهم الثرى، ليتم استذكارهم إما بطريقة خجولة من باب الوفاء للماضي، أو من خلال خطبٍ عرمرمية طالما أتحفنا بها اعضاء اللجنة المركزية للحركة، على مدار إثنين وستين عاما من عمر الحركة، و اكثر من نصف قرن على نكسة حزيران، ولا يزالون.

في السياق ذاته، ليس بالإمكان إنكار أو إلغاء دور حركة فتح ما قبل فعلة "أوسلو"، وقد هيمنت على المشهد السياسيّ الفلسطينيّ، لجهة القرار وقليلا من المكتسبات الهزيلة، إذا ما قورنت هذه المكتسبات بأحقية وعدالة القضية، الا اننا ومن باب الأمانة التوثيقية نقف مع ماضي الحركة المشرق قي حينه، وهي الحركة التي حملت ميثاق الثورة النضالية لتحرير الاراضي الفلسطينية ، ما بلور كينونة الشعب الفلسطيني كصاحب قضية بالداخل والخارج والشتات، بل افرز هذا التكوين مضادات حيوية لصد تذويب الهوية الوطنية النضالية للفلسطينيين شعب وقيادة، مع ما رافق ذلك من تكريس للروح الثورية من خلال تنفيذ عمليات نضالية ، ظل وقعها ماثلا حتى بعد "أوسلوا"، وقد دكت "الكاتيوشا" الفتحاوية المستوطنات الشمالية في الاراضي المحتلة، عام 1981، وما سبقها من عمليات نفذتها قوات الثورة في الجنوب اللبناني، كان أشهرها عملية سافوي عام 1976، ثم عملية دلال المغربي عام 1978، وغيرها الكثير من العمليات التي والتي أوجعت اسرائيل وأقضت مضاجع مؤسستها العسكرية والأمنية.

حركة فتح، يُنظر إليها اليوم بما قبل وبعد "أوسلو"، وقد تُرك الحصان الفلسطيني وحيدا، بعد أن تم تصفية القيادات ورحيل اخرين منها فــ "فتح"، كحركة تحرر ثورية، وكحركة تحرير وطني تقف راهناً على منعطف وجودي بحت،  يتطلب منها كبح لجام عربة مجلسها، ومراجعة مفاصل مسيرتها عبر ستة عقود، فإما "التفريط" بحصيلة المنجز، وإما "التقويض" والتقوقع نحو الأفول، وكأن شيئا لم يكن، سيما اذا ما نظرنا لوجود حركة المقاومة الاسلامية حماس ، كمنافس نضالي شرس، وكقوة ضاربة بما اثبتته وما سجلته على أرض الواقع منذ "أوسلو"، وحتى العدوان الاخير على القطاع، واحتساب نتائج وقع الصواريخ لصالحها .

واقع حركة فتح النضالي المتهافت والسياسي الواهن، يستوجب منها اجراء مراجعات شاملة لاستعادة التوازن لا التقدم ، فالمشهد الفتحاوي الان اشبه بالرجل المريض، فلا تقدم في تحقيق مشروع الوحدة، ولا صوت يُسمع ازاء سرطان الاستيطان، والأخطر فقدانها للعلب الماسية التي كانت مصدر تمويلها ابان السبعينيات وحتى مطلع الالفية الثانية، حيث يتوجب التركيز على حالة الهرولة للتطبيع مع الكيان ل دولٍ كانت فيما مضى صاحبة دور لوجستي خطير وعميق لمفاصل القضية.

فتح الان، في مهب العاصفة، فبعد حالة التشرذم التي عصفت في اركانها وما ولدته من انشقاقات بين القيادات، اصبحت بنيتها هشة، تُحدّث بمستقبل قَلِق يُهدد وجودها برمته، سيما وأنها تفتقر الى الموارد القيادية التي أسست لوجود الحركة كلاعب سياسي في الشأن الفلسطيني والمنطقة.

فتح صاحبة المشروع النضالي والمسيرة الكفاحية والحنكة السياسية التي احتكم لها رموز الثورة ممن أسسوها، امثال القائد الراحل ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف، وغيرهم من هامات العمل الوطني الفلسطيني الشريف، اولئك ممن لم يدر في خلدهم يوما ان الحركة التي اسسوها في الوقت الصعب ستنال من ( م ت ف) وتطيح بها لصالح سلطة أوسلو !.

والأسوء، ما تورطت به رموز السلطة من ابناء فتح بتسويات أقرب الى التصفيات الشخصية، شوهت مسيرة الحركة بالانقسامات، خاصة بعد الخلاف مع القيادي محمد دحلان واختلافه مع قيادة الحركة في رام الله ومع محمود عباس بالذات والذي دعاه لتأسيس تيار إصلاحي ومن بعده جاء فصل ناصر القدوة ومن الممكن أن يلحق بهم مروان البرغوثي وقد انشغل القوم من عليا القيادات بزعامة الرئيس ابو مازن، بحربٍ ضروس خدمت المؤسسة الصهيونية من مخططات استيطانية ودعم أميركي غير محدود وأخيرا هرولة التطبيع الخليجي والعربي.

أزمة فتح هي زيت وفتيل الصراع ، ومشروع المصالحة اصبح رهنا بالتعنت وحصد المكاسب لرموزها، ما غذى أضعاف المشروع الوطني وأعطى ما هو اكثر من الضوء الاخضر لغول الاستيطان، بل واعطى الحجة الأقوة للكيانات العربية لمغازلة تل ابيب والمبيت بحضنها تحت مسمى التطبيع .

 

.
حالة الإنهيار التي تشهدها حركة فتح ممثلة برموز السلطة الفلسطينية، ستطيل بلا شك نفوذ الدولة الصهيونية، باستثناءات تتعلق بقوة هذا النفوذ اذا ما نظرنا الى قوة وصلابة حركة حماس ومعها الفصائل التي بدأت تكبر ويلمع نجمها، لكن لنسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، ولنعتق الشعب الغزي من دفع فاتورة النظال وحده، ولننظر الى خطر تراجع المشروع الوطني الفلسطيني أمام الغول الصهيوني.. فهل تتعظ فتح وتعتبر أم ننتظر تسونامي يقلب بؤرة الصراع لصالح المؤسسة الصهيونية، حينها لن يدفع الفلسطينيون الثمن وحدهم، بل سيجتاح المشروع الاستعماري  الجديد بأقطابه المعلنة وغير المعلنة مصير المنطقة برمتها .