قمة أردوغان – بايدن.. “عهد جديد” أم قنابل على الطريق؟
سبق أن أوضح الرئيس الأمريكي بايدن في عدة مناسبات بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليس الزعيم المبجل لديه. فقد أجرى المكالمة الهاتفية الأولى معه بعد ثلاثة أشهر على تسلم منصبه، تناولت نية بايدن الإعلان عن مذبحة الأرمن كإبادة شعب. وهو إعلان صدر بعد بضعة أيام على ذلك. صك أردوغان على أسنانه وأدان الإعلان، وأوضح بأن "هذا الإعلان سيلقي عبئاً آخر على العلاقة بين الدولتين”. من يعرف ردوده منفلتة العقال على كل دولة اعترفت سابقاً بإبادة الشعب الأرمني وقطع العلاقات وفرض عقوبات على عدد من هذه الدول، قد يتولد لديه انطباع بأن أردوغان سار على أطراف أصابعه في هذه المرة وبلع الضفدع دون تقيؤ.
الاثنين المقبل ستكون لأردوغان فرصة أخرى للّقاء مع من وصفه بالديكتاتور وأعلن بأنه "يعرف كيف يتعامل مع أردوغان”. على هامش قمة الناتو التي ستعقد في بروكسل، سيزيل الزعيمان الحمل عن ظهرهما وسيحاولان فحص كيف يمكن إصلاح العلاقات بين الدولتين. سبق وطرح أردوغان توقعات عندما قال في مقابلة صحافية بأنه يؤمن بأن عهداً جديداً في العلاقات يقف على الباب. ونشرت وسائل إعلام في تركيا مؤيدة لأردوغان عن اقتراحات لحل جزئي للخلافات، فالانتقاد المسموم المعتاد لمحاولة الولايات المتحدة التدخل في الشؤون التركية الداخلية، تلاشى.
كاتب المقالات الوطني إبراهيم كراغون، الذي كرس أعمدة كثيرة في صحيفته "يني شفق” لانتقاد لاذع للولايات المتحدة بشكل عام والرئيس الأمريكي بشكل خاص، كتب هذا الأسبوع بأن يجب على الأتراك الذين يعتقدون بأن "تركيا فوق كل شيء” أن يتوحدوا ويصمدوا ضد المؤامرات الدولية التي تستهدف إضعاف تركيا. لم يذكر كلمات الولايات المتحدة والرئيس بايدن. صحيفة وموقع "يني شفق” بملكية شركة البيرق لصاحبها المقرب من أردوغان، والأمور التي يتم نشرها في وسائل إعلامه.. تعكس التيار الراديكالي في حزب العدالة والتنمية.
إن اتهام المجتمع الدولي باضطهاد تركيا والشعور بـ "عليهم” الذي يشع في المقال، هي انعكاس دقيق للأقوال التي اعتاد أردوغان قولها في ظهوراته العلنية. ومثلها مثل التعبيرات الواثقة بنجاح تركيا في الوقوف أمام الضغوط والمتآمرين الذين يخافون من قوة الدولة. هذه هي الروح التي يسعى أردوغان إلى رعايتها أمام الأزمة الاقتصادية العميقة السائدة في الدولة رغم البيانات المقلقة عن هبوط سعر الليرة التركية، ونسبة البطالة التي قفزت إلى 13.9 في المئة (ضعف ذلك في أوساط الشباب) والتضخم الذي قفز في أيار إلى 17 في المئة. هذه هي الرياح التي يتوقع أن يطير على ظهرها باتجاه اللقاء مع بايدن.
في الوقت نفسه، ما زال أردوغان يظهر ضبط النفس. فخلافاً لنتنياهو الذي أعلن بأن إسرائيل ستعمل ضد المشروع النووي الإيراني "حتى لو أدى الأمر إلى الاحتكاك مع الولايات المتحدة”، سيحاول أردوغان إقناع بايدن بأن تركيا ذخر وليست عبئاً استراتيجياً، ويجب على الولايات المتحدة الاعتراف بمكانتها الخاصة كدولة وسيطة بين الشرق والغرب، وأنه ليس لأردوغان نية للانسحاب من الحلف القديم مع الغرب ومع الناتو ومع الإدارة الأمريكية لصالح تعزيز العلاقات مع روسيا وإيران.
إن تراجع تركيا أمام تحالف أمريكي – أوروبي هو بالضبط الخطر الذي قصده كراغول في مقاله، خطر يجب على "كل من يحبون تركيا” الوقوف أمامه كرجل واحد. بعد أشهر كثيرة استخف فيها أردوغان بطلبات الاتحاد وقال إن من حقه السيادي التنقيب عن الغاز والنفط في الحوض الشرقي في البحر المتوسط، فإن التراجع عن ذلك سيكون صعباً على أردوغان أكثر من التنازل في موضوع الصواريخ الروسية.
إذا كان الأمر يتعلق بالسيادة والهيبة والدفاع أمام التدخل في الشؤون الداخلية، فثم عبوة ناسفة أخرى تنتظر أردوغان في بروكسل. وضع بايدن تحسين حقوق الإنسان على رأس سلم أولويات سياسته الخارجية. اعتقال صحافيين وحبس كتاب الإنترنت وتشريع قوانين تلزم الشبكات الاجتماعية بشطب مضامين إذا طلب منها ذلك واعتقال سياسيين أعضاء في حزب العمال الكردي والمطالبة بإغلاق الحزب ومنع 500 عضو فيه من العمل في السياسة واستمرار اعتقال شخصين من العاملين في السفارة الأمريكية – كل ذلك جزء من قائمة طويلة سيعرضها بايدن على أردوغان وسيطلب منه التغيير والتعديل.
قد تكون تركيا محك اختبار رئيسي لسياسة بايدن الخارجية والجدية التي ستتعامل بها معه دول ديكتاتورية أخرى في العالم. وليست السعودية ومصر والمغرب وحدها التي ستفحص كل كلمة يقولها بايدن، حتى روسيا البيضاء وروسيا وهنغاريا وإسرائيل أيضاً سيكون عليها استخلاص الدروس. لأنه عندما يتحدث أردوغان عن عهد جديد في العلاقات مع الولايات المتحدة، فسيضطر إلى فحص ما إذا كان بايدن يستخدم نفس القاموس لترجمة هذا المفهوم. "على طول الطريق سنوضح بأن أمريكا قد عادت، وأن الدول الديمقراطية في العالم تقف معاً لمهاجمة التحديات الأصعب والمواضيع الأهم لمستقبلنا”، قال بايدن في خطابه الأول الذي ألقاه في أوروبا عندما وصل إلى قمة "جي 7”.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 11/6/2021