أهالي الشيخ جراح بين مطرقة الطرد من منازلهم واعتداءات المستوطنين
أصبح اسم حي الشيخ جراح معروفا في العالم في الفترة الأخيرة، لكن الخوف ما يزال يسيطر على الفلسطيني عارف حماد (70 عاما) وهو ينتظر قرار محكمة قد يؤدي إلى طرده من بيته في القدس الشرقية المحتلة بعدما عاش فيه لعقود.
وأكد حماد الذي يعيش في هذا المنزل مذ كان في الخامسة "أنا خائف من أن يخرجونا بالقوة، من دون قانون، لأنه ليس لديهم قانون، ويقوموا برمينا في الشارع، ويرموا الحي كله بالشارع، ويقوموا بتنفيذ المخططات التي يريدونها”.
وعائلة حماد واحدة من سبع عائلات فلسطينية على الأقل في الحي تنتظر قرارا من المحكمة العليا.
ويخوض حماد الذي يعيش مع 17 فردا من عائلته في هذا المنزل، وجيرانه هذه المعركة القضائية منذ السبعينيات وقد أدت بالفعل إلى طرد بعض جيرانهم.
على مدخل الحي، وضعت قوات الأمن الإسرائيلية في الفترة الأخيرة مكعبات إسمنتية، وتقوم بالتدقيق بهويات الداخلين إليه وتمنع بعضهم من الولوج.
ورفض المدعي العام الإسرائيلي الاثنين الماضي التدخل في قضيتهم فانتقلت الكرة إلى ملعب المحكمة العليا.
ويشهد حي الشيخ جراح منذ قرابة الشهرين احتجاجات يومية على خلفية التهديد بإجلاء عائلات فلسطينية من منازلها لصالح جمعيات استيطانية، وتوسعت الاحتجاجات إلى أنحاء متفرقة من القدس، وخصوصا في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.
وأدت القضية إلى عدوان إسرائيلي استمر 11 يوما، أدى إلى استشهاد 260 فلسطينيا بينهم 66 طفلا ودمار هائل في قطاع غزة المحاصر. وعلى الجانب الإسرائيلي قتل 13 شخصا بينهم طفل وفتاة في سن المراهقة وجندي.
ويؤكد حماد داخل غرفة المعيشة في منزله المقابل لمنزل فلسطيني آخر استولى عليه مستوطنون ورفعوا عليه أعلاما إسرائيلية، "وضعنا سيئ جدا”.
وكغيره من سكان الحي، انتقل حماد مع عائلته إلى الشيخ جراح في الخمسينيات من القرن الماضي.
يقول حماد إن عائلته أجبرت في العام 1948 عند قيام الكيان الإسرائيلي على الفرار من منزلها في حيفا.
وشكل احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في العام 1967 تحولا، خصوصا بعد أن ضمتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ويشكل وضع القدس أحد الملفات الشائكة في العدوان الإسرائيلي.
في العام 1970، سنت إسرائيل قانونا يمكن بموجبه أن يستعيد اليهود أراضي يقولون إنهم فقدوها في القدس الشرقية في العام 1948 حتى لو بات يعيش فيها فلسطينيون منذ ذلك الحين.
لكن إسرائيل لا تقوم بالمقابل بإعادة أملاك وبيوت إلى فلسطينيين فقدوها ويسكنها اليوم يهود.
وراء الدعاوى القضائية الأخيرة منظمة المستوطنين نحلات شمعون، التي تزعم أن اليهود استولوا على أرض في الشيخ جراح في القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني. ويحكي حماد "نناشد الحكومات الأجنبية لتحاول الضغط على حكومة إسرائيل من أجل أن يكون عندها ذرة عدل”.
وتابع "يقولون إن هناك محاكم، لكن محاكمهم لا يوجد بها عدل، لأن محاكمهم تابعة للمستوطنين، وتأخذ أوامرها من المستوطنين، حتى الجيش الموجود هنا يأخذ أوامره من المستوطنين”.
ويرى محمد الصباغ (72 عاما)، وهو مقيم آخر في الحي، أن طرد العائلات الفلسطينية من منازلها هو امتداد للسياسة الإسرائيلية التي تمارس التمييز ضد الفلسطينيين.
ويتساءل الصباغ الذي يقول إن عائلته كانت تملك منازل وبستان أشجار برتقال في يافا ومحيطها، "أي قانون يخرج شخصا أو عائلة أو عائلات من بيوتها بعد 65 عاما؟”.
ويرى صباغ أنه "يوجد قانونان؛ قانون للطرف الآخر وقانون لنا. قانون يسمح لهم باسترداد الأملاك وقانون لنا يمنعنا أن نطالب بأملاكنا. هذه العنصرية”.
ويشرح المحامي حسني أبو حسين الذي يمثل عائلات حي الشيخ جراح منذ العام 1994، أنه قام بالسفر إلى تركيا للبحث في الأرشيف العثماني ولكنه لم يجد أي أثر لذلك.
ويقول "سلمتنا وزارة الخارجية التركية في أنقرة كتابا باسم الأرشيف العثماني”، موضحا "بعد الفحص والتدقيق، تبين أن هذه الوثيقة التي كانت سببا في تسجيل هذه الأرض باسم الجمعيات الاستيطانية ليس لها أصل”.
وتابع "ليس للمستوطنين أي حق والأوراق الموجودة معهم مزيفة”.
وكانت الحكومة الإسرائيلية وصفت قضية الشيخ جراح بأنها "نزاع عقاري”.
لكن تقول منظمات حقوقية إن طرد العائلات الفلسطينية يندرج في إطار سياسة متعمدة تهدف لطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس.
في تقريرها الصادر في نيسان (أبريل) الماضي، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش سياسة إسرائيل حيال العرب على أراضيها والفلسطينيين في الأراضي المحتلة بـ”الفصل العنصري”.
وخلص التقرير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعتمد "سياسة شاملة للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة”.
وأضاف "أن هذه السياسة تقترن في الأراضي المحتلة بقمع ممنهج وأعمال لاإنسانية ضد الفلسطينيين القاطنين هناك”.
وترى آيمي كوهين من منظمة "عير عاميم” غير الحكومية أن الوتيرة البطيئة للبت في قضايا اخلاء العائلات الفلسطينية من منازلها، خادعة، مشيرة إلى أن ثمة أكثر من 100 عائلة فلسطينية في حي الشيخ جراح وحي سلوان أيضا، تواجه قضايا طرد من منازلها باتت في مراحل مختلفة.
وتوضح "هناك أكثر من ألف فلسطيني معرض لخطر التهجير الجماعي من هاتين المنطقتين وحدهما في القدس المتنازع عليها وذات الحساسية العالية من الناحية السياسية”.
وتقول منظمة عطيرت كوهنيم الاستيطانية التي تقف وراء دعاوى الإخلاء القسري في سلوان "إنها تهدف إلى فرض السيادة على القدس بأكملها”. وفي مقال له نشر مؤخرا، قال ديفيد مارك من المنظمة الاستيطانية "تتطلب المرحلة التالية من النهضة الوطنية ما هو أكثر من مجرد نقل المزيد والمزيد من العائلات إلى أحياء استراتيجية”.
وتقول كوهين إن الاستراتيجية الوحيدة الناجحة لوقف التوسع الاستيطاني المستمر هو الضغوط الدولية والدبلوماسية. وأضافت "التدخل الدولي هو حقا الحل الوحيد”.