ما وآراء شهادة الشيخ يعقوب ..!!
يقول المصريون: «الموضوع فيه إنَّ» كناية عن الشك الذي يحيط بموضوع ما، وعندما تعلم أن شهادة الداعية السلفي الشيخ محمد حسين يعقوب قد نقلت على الهواء مباشرة، فإن الموضوع لا بد وأن يكون فيه إنَّ، بل إن وأخواتها!
وإزاء حالة الاستقطاب الواسعة التي انتجتها شهادة الشيخ، حيث تغيرت بسببها التحالفات التقليدية، أود تذكير من كانوا يتابعون هذه الزاوية منذ بداية كتابتها في عام 2003، كيف أن أسلوب الرجل في الخطابة عبر قناة «الناس» كان موضوعاً لتعليقنا هنا، عندما يخاطب المشاهدين عبر الشاشة، كما لو كانوا أمامه في دروسه وخطبه في أحد المساجد، فهو يعرفهم جيداً، فيعلن لهم أنه يحبهم في الله، وينتهي من خطاب الجمع إلى خطاب المفرد، فيطلب من المشاهد الفرد أن يصلي، أو يصلي على النبي، لكي يحبه، وبدا لي أنه مشهد فكاهي، فكيف يحب في الله من لا يعرفهم، وكيف يكون مقابل الأعمال الصالحة حبه للملتزم بها والمؤدي لها؟ وكنت أرى – مازحاً- أنه ثمن للتنفير، وليس للترغيب!
تغيرت التحالفات التقليدية، فهذه ليست قضية يصلح فيها «الفرز والتجنيب» وفق المتعارف عليه؛ بين مؤيدي النظام العسكري ورافضي الانقلاب، أو بين الثوار والثورة المضادة، فقد كنا أمام مشهد ذكرنا بزمن الجمهورية العربية المتحدة، وتحالف قوى الشعب العامل، والعندليب يغني «يا جمال يا حبيب الملايين.. ماشين في طريقك مش ناسين»!
فقد اتفق الإخواني، مع السيساوي، مع العلماني الذي يخاصم الإسلاميين بشكل عام، على أنها فرصة للسخرية من الشيخ والاستهزاء به، بعد أن زوروا الشهادة، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وتقديمه على أنه باع تلاميذه، وتبرأ منهم، وأعترف بأنه ليس عالماً، وليس مفتياً، وتم حساب هذا على أنه تراجع عن أفكاره وعن عقيدته بدافع الخوف!
وقائع سابقة
لقد عرفت المحاكم المصرية مثل هذه الشهادات، التي هي شهادة رأي لا شهادة رؤية، منذ قضية «الجهاد الكبرى» والتي كانت تضم قتلة الرئيس السادات، ومن خلال الشهادة التاريخية للشيخ صلاح أبو إسماعيل، الذي شهد في قضية أخرى بعد ذلك بسنوات، وهي الخاصة بمحاكمة تنظيم «الناجون من النار» ثم شهدت قضية محاكمة المتهمين بقتل فرج فودة شهادة اثنين من علماء الأزهر، الشيخ محمد الغزالي، ود. محمود مزروعة.
والهدف من هذا النوع من الشهادات، هو إيجاد المبرر لاندفاع الجناة لارتكاب جريمتهم، والمستهدف هو تخفيف الأحكام، ولم يحدث أن نقلت أي من هذه الشهادات عبر القنوات التليفزيونية، ولهذا فعندما تنقل شهادة الشيخ يعقوب، فإننا لا نلام إذا قلنا إن الموضوع فيه إنَّ، وأخواتها!
هذا فضلا أن هذه الشهادة كانت في اليوم الأول لسريان قانون غريب، اعتمده عبد الفتاح السيسي يجرم تصوير جلسات المحاكم بدون إذن، ويضع عقوبات ضخمة لذلك، وهو أمر لم يعلن عن المبرر له، والدستور ينص على علانية الجلسات، إلا إذا كانت خطوة في مشوار تجريم مهنة الصحافة، التي أصبحت من المهن المنقرضة في بلدي، وعندما يحدث النقل على الهواء مباشرة للشهادة، ولو بالحصول على الموافقة، فإن الموضوع لابد وأن يكون فيه إنَّ، بل إنَّ وأخواتها!
وعندما نعلم أن المحاكمة في القضايا من هذا النوع تتم في أجواء مختلفة وغير مسبوقة، ومن القضايا التي تخص الرئيس محمد مرسي وأركان حكمه، إلى غيرها من القضايا الأخرى، حيث المتهمون في قفص زجاجي عازل للصوت، ثم تنقل هذه الشهادة على الهواء مباشرة، فإن الفأر يلعب في صدرنا، كناية على شدة الشك، والذي يدفع للقول، إن الموضوع فيه إنَّ وأخواتها!
بيد أن الرؤية اتضحت، ولم يعد في الموضوع إنَّ، فقد صار الشك يقيناً، بهذه الحفلة التي كانت في انتظار شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب في المساء والسهرة، والتي شاركت فيها الجوقة بالهجوم على الرجل، حيث القنوات التلفزيونية التي تدار بواسطة رسائل سامسونج!
اضطراب الشيخ
وبهذه المناسبة، مناسبة «بيد أن» فإن «فيسبوك» يذكرني بمنشور كتبته في مثل هذه الأيام من العام الماضي عندما استخدم عبد الفتاح السيسي هذه العبارة: «بيد أن» فصحت صيحة الشيخ محمد حسين يعقوب، عندما جاءته البشارة باكتساح قوائم التيار الإسلامي في الانتخابات بعد الثورة: «الله أكبر.. إنها غزوة الصناديق» ذلك بأن هذا الاستخدام لـ «بيد أن» كشف تطورا ملحوظا في خطاب السيسي، سيكتمل حتماً عندما يصل إلى «لا سيما»!
هل بدا الشيخ في شهادته مضطرباً؟ ربما، لكن لا يمكن أن نخفي أنه جاء للمحكمة بقرار ضبط واحضار، وأن القاضي لم يعامله على أنه شاهد، فقد بدا أمام المشاهدين أنه متهم، لا يدري ماذا ينتظره، مع أن القاعدة الأصولية التي تقول بحماية الشاهد، وألا يضار بشهادته، وهي معاملة لم تكن من نصيب الشهود في القضايا السابقة، الذين عاملتهم المحكمة بإجلال وتوقير!
وسنذكر هنا سريعاً، حتى لا نخرج عن الاختصاص الوظيفي لهذه الزاوية، كيف أن المحامي العام وممثل الادعاء في قضية «الناجون من النار» ماهر الجندي، أراد احراج الشاهد الشيخ صلاح أبو إسماعيل، والذي قال بكفر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، وعلى الفور تدخل الجندي، ظناً منه أنه سيدفع به إلى زاوية الاحراج والاضطراب: «هل تقصد أن القيادة السياسية في مصر كافرة» ليكون الرد صاعقاً ومزلزلا: «سيادة المستشار أنا أقول لك إن حسني مبارك كافر»!
وشعر المستشار الجندي أنه من دفع بغبائه مبارك لهذه «الورطة» فخرج يدلي بتصريحات للصحف بأنه سيحاكم صلاح أبو إسماعيل على ما قال، ليرد عليه في الصحف أيضاً: «ألا يعلم هذا المستشار الجهول أنه لا يضار كاتب ولا شهيد» وذكر مواد قانون الإجراءات الجنائية التي تحمي الشاهد من أن يضار بشهادته!
هذا الجو غير المريح للشيخ يعقوب، كان منذ السؤال الأول: لماذا تبدأ دائماً حديثك بالصلاة على النبي؟ وهو سؤال غير موفق، ولهذا وجده القناص الماهر بقناة «الجزيرة» أنه يستحق الابراز في هذا اليوم، ورأته أصواتاً في القاهرة أنه الغرض، دون أن يؤاخذوا القاضي على مثل هذا السؤال، وقد خرجت الشهادة منذ السؤال الأول عن اطارها، فلم نعرف إن كان الشيخ شاهداً أم متهماً؟!
عندما طلب الدفاع عن المتهمين شهادة الشيخ حسين يعقوب، لم يكن لأنه أمير التنظيم، أو مفتي المتهمين، أو لزيادة أعدادهم من اثني عشر متهماً ليصبحوا به ثلاثة عشر عضوا، إنما لتلمس براءة من وصفوا اعلامياً «بخلية داعش إمبابة» وقد قالوا في معرض نفيهم لأن يكونوا من داعش، أنهم فكراً (وليس تنظيما) ينتمون لأفكار الشيخان: محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ومن هنا فكل ما قاله يعقوب من أنه ضد التكفير، وضد ضد قتل ضباط الشرطة والجيش، انما يمثل قرينة لعدم ادانة المتهمين، فليس في الأمر تنكراً لهم كما قالت الدعاية المضادة، فلا هو يعرفهم، ولا هم ادعوا صلة به، فقط صلة فكرية!
لكن التربص بالشهادة كان من قبل الجميع، ومن تحالف قوى الشعب العامل، لدرجة التحريف، فلم ينف أنه سلفي (كما تردد) بل قال إنه سلفي وعلى المذهب الحنبلي، وإذا كان قد ذكر أنه حاصل على دبلوم المعلمين، فلم يسبق له أن ادعى غير هذا، ومعظم شيوخ السلفية لم يتخرجوا في الأزهر، وإذ تم قصر الحديث في الدين عليهم، فإن من يتخطون الرقاب للحديث فيه في القنوات التليفزيونية المملوكة لأهل الحكم، ومن إبراهيم عيسى إلى خالد منتصر، إلى اسلام البحيري، لا يجوز لهم الحديث في الدين وفق هذه القاعدة، فهل يوافق النظام العسكري؟!
لقد احتشدت القنوات التلفزيونية لتسفيه يعقوب، ومن «صدى البلد» إلى «دي إم سي» قناة المخابرات، إلى «تن» قناة الإمارات، في حملة لها ما بعدها!
«إن الموضوع فيه إنَّ»!
سليم عزوز
٭ صحافي من مصر