اللحظة الفلسطينية الراهنة بالأرقام
عريب الرنتاوي
ثمة ما يتعين على قادة السلطة والمنظمة والفصائل وحماس والجهاد، قراءته بتمعن في نتائج الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فهو الأشمل والأكثر صدقية، الذي جرى تنفيذه بعد «انتفاضة القدس وسيفها».
حماس انتصرت، هكذا يقول 77 بالمئة من الفلسطينيين، واحد بالمئة فقط منهم، قال إن إسرائيل هي من انتصرت، 18 بالمئة لم ينتصر أحد، و2 بالمئة قالوا إن الطرفين انتصرا...هذا التقدير ستكون له انعكاساته على نظرة الفلسطينيين لقياداتهم وفصائل وسلطتهم وحكومتهم، كما سيتضح.
سيرى ثلاثة أرباع الفلسطينيين أن أداء حماس في المواجهة كان ممتازاً مقابل 13 بالمئة فقط قالوا كذلك عن أداء فتح، و11 بالمئة للسلطة، على أن أدنى درجات الرضى كانت من نصيب الرئيس عباس (8 بالمئة فقط)، ولهذا السبب بالذات، ارتفعت نسبة الفلسطينيين الذين يعتقدون بأن السلطة باتت عبئاً عليهم إلى 56 بالمئة...علماً بأن الفلسطينيين أعطوا درجة ممتاز لأداء حكومات خارجية: 22 بالمئة لمصر، 21 بالمئة لكل من الأردن وتركيا و18 بالمئة لإيران...مصر والأردن، سجلتا أرقاماً غير مسبوقة.
وإذ يَبني الفلسطينيون على الشيء مقتضاه، وفقاً للعبارة الدارجة في لبنان، فإن 53 بالمئة من الفلسطينيين، يرون أن حماس هي الأجدر بتمثيل شعبها، مقابل 14 بالمئة فقط، لحركة فتح/عباس...اللافت أن محاولة «شيطنة» حماس ودوافعها للدخول على خط انتفاضة القدس، لم تنجح في تحقيق مراميها، ذلك أن 72 بالمئة من الفلسطينيين رأوا أن حماس انتصرت للقدس والأقصى، مقابل 9 بالمئة فقط، قالوا إنها تعبير رفضها تأجيل الانتخابات ومحاولة منها لإضعاف السلطة، فيما 17 بالمئة منهم، قالوا إنها للسببين معاً.
لو جرت الانتخابات الرئاسية اليوم، فإن عباس سيحظى بتأييد 27 بالمئة من الفلسطينيين نزولاً من 47 بالمئة قبل 3 أشهر، مقابل 59 بالمئة لإسماعيل هنية (46 بالمئة قبل ثلاثة أشهر)...واللافت أن شعبية حماس في غزة تعاظمت مقابل تراجع شعبية فتح والسلطة والرئاسة، بخلاف ما كان يُعتقد، نسبة التأييد لعباس في غزة اليوم 30 بالمائة (44 بالمئة قبل ثلاثة أشهر)، ولهنية اليوم 60 بالمئة مقارنة مع 56 بالمئة قبل ثلاثة أشهر...المؤشرات ذاتها، تحدث في الضفة: عباس 25 بالمئة هبوطاً من 52 بالمئة، وهنية 59 بالمئة صعوداً من 38 بالمئة.
القائد الأسير مروان البرغوثي، ما زال «فرس الرهان» لاستنقاذ فتح واستعادة شعبيتها، فهو وحده القادر اليوم على «هزيمة» هنية في انتخابات حرة ونزيه (51 بالمئة مقابل 42 بالمئة)، وهو الأول في قائمة المرشحين المفضلين وبمسافة بعيدة عن بقية قادة فتح والسلطة.
فصائلياً، لا يبدو أن للأرقام والنسب المئوية دلائل مغايرة: فلو جرت الانتخابات اليوم بقوائم 2006 لفازت حماس بنسبة 41 بالمئة، وحصلت فتح على 30 بالمئة، وكافة الفصائل 12 بالمئة، مقابل 17 بالمئة لم يقرروا بعد...أما لو جرت الانتخابات بالقوائم الـ 36 الأخيرة، لفازت حماس أيضاً، ولكن بنسبة 36 بالمئة، 19 بالمئة فتح/عباس، البرغوثي/القدوة 9 بالمئة، دحلان 3 بالمئة، مبادرة مصطفى البرغوثي 2 بالمئة، وستجتاز نسبة الحسم (1.5 بالمئة) الشعبية وسلام فياض، وقائمتان أخريان للمستقلين (9 قوائم ناجحة فقط).
في الختام، نعود إلى ما بدأ به معدّو الاستطلاع في محاولة لتفسير نتائجه....هذه الأرقام تعكس المزاج الفلسطينية العام في هذه اللحظة، بيد أنها عرضة للتغير والتبدل بمرور الزمن وتعاقب التطورات، لأضيف، بأننا لا نستبعد حصول تبدلٍ جدي في هذه المعطيات، ليس لأننا نتوقع تحسناً ملموساً في أداء فتح والسلطة والرئاسة، بل لأننا نشهد بعض الارتباك والخفة والاستعلاء في أداء حماس مدفوعة بـ»نشوة النصر» من جهة، ولأننا نشهد مساعي محمومة لسلب حماس انتصارها من جهة ثانية، والأهم، لأن إسرائيل مصممة على كسر المعادلات الجديدة التي فرضتها انتفاضة القدس وسيفها من جهة ثالثة.