الشمول في الإصلاح المالي
سلامة الدرعاوي
نستطيع القول بكل وضوح ان المؤسسة المالية الاقتصادية الوحيدة التي أصابها الإصلاح وبدأت تعطي ثمارها بالشكل المستهدف هي دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، وذلك بعد نفاذ سريان العمل بالقانون المثير للجدل اعتبارا من بداية العام 2019.
الإصلاح الذي أصاب الضريبة والذي ما يزال في بداياته الاولى شمل عدة أوجه في أركانها، ابتداءً من إعادة هيكلة القوى البشرية الإدارية فيها، ومروراً بتوسيع قاعدة المكلفين، وانتهاءً بوضع قواعد محكمة في عمليات مكافحة التهرب بكافة أشكاله ومستوياته.
النتيجة كانت على عكس أداء الاقتصاد الوطني، فغالبية القطاعات الرسمية وبعض القطاعات الخاصة في تراجع كبير، وإيرادات الضريبة في ارتفاع كبير، حيث تجاوز الارتفاع 600 مليون دينار العام 2020 مقارنة مع العام 2019، وبأكثر من 150 مليون دينار عن المقدر في الثلث الأول من العام 2012.
التحصيل الإيجابي الكبير في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات لم ينعكس على الاقتصاد الوطني بشكل عام، ولم يستغل بالشكل الإيجابي في عمليات استثمارية او تمويل نفقات رأسمالية في الموازنة، يكون لها مردود إيجابي على الخزينة والقطاعات الاقتصادية في السنوات القليلة المقبلة، بل على العكس تماماً، كُل الزيادات في الإيرادات الضريبية الناتجة عن زيادة التحصيل ومكافحة التهرب ذهبت لتمويل نفقات تشغيلية متزايدة في الميزانية العامة، وهذا يفسر الإجابة على التساؤلات المشروعة، أين تذهب الزيادات في التحصيلات الضريبية؟، للأسف غالبيتها ذهب لتمويل نفقات الحكومة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وهذا يقودنا إلى السؤال الآخر من هذا المقال، وهو لماذا لم تنمُ اعمال المؤسسات المالية الأخرى بالشكل الذي نمت عليه الضريبة؟.
للأسف الإصلاح الذي حدث في المالية العامة بشكل واضح وصريح ومؤسسي هو الاصلاح الضريبي، وبقيت باقي المؤسسات المالية الرسمية على حالها دون أي تحرك إيجابي لمعالجة الاختلالات المزمنة التي تسيطر على أدائها وتشوب أعمالها وأنشطتها.
الإصلاح الذي أصاب جزءا يسيرا من مؤسسات المالية العامة كان إصلاحاً مجزوءاً، والاصل ان يكون شاملا ومتزامنا مع بعضه بعضا، فالضريبة مكملة لمؤسسات وهيئات رديفة مثل الجمارك والأراضي وغيرها من الدوائر التي بقيت على حالتها دون أي عمليات إصلاحية في أركانها، وهذا ما جعل الإصلاح المالي يوصف بأنه منقوص في مشهده وما بين مؤسساته، ولذلك كانت نتائج التقييم لأداء المالية العامة في عناصرها الأساسية متباينة من قبل المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الذي أبدى تقديراً مهما وإعجاباً بأداء الضريبة وحدها فقط.
الإصلاح الضريبي لا يمكن ان يبقى حاملا لملفات المؤسسات الأخرى التي لم تحرك ساكنا باتجاه إصلاح أدائها الذي بات مكلفا على الخزينة من جهة، وعلى المواطنين والقطاع الخاص من جهة أخرى.
الإصلاح المالي الشامل بين كافة مؤسسات المالية العامة هو الخيار السليم للوصول إلى اهداف مالية رشيدة ومتوازنة بين كافة فصول المالية، فالأساس ان تتوزع الأعباء بتشاركية بين أركانها وعناصرها الرئيسة، لا أن تتحمله دائرة واحدة فقط، مما تسبب في ضياع وتبخر كُل إنجازاتها التي تذهب للأسف لتغطية عجز المؤسسات الأخرى.