لماذا تختلف هذه الزيارة عن سابقاتها؟
ماهر أبو طير
هذه أول زيارة لزعيم عربي الى الولايات المتحدة بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد، وأهمية الزيارة تكمن في عدة اعتبارات تجعلها تختلف عن زيارات سابقة الى واشنطن.
أهمية الزيارة انها تأتي بعد مرحلة عاصفة خلال فترة الرئيس الأميركي السابقة، وهي مرحلة كانت ضاغطة على الصعيد الأردني، من جهة، وخلطت الأوراق على الصعيد العربي، خصوصا، الملف الفلسطيني، والموقف من السوريين، ثم ملف العراق، وعلاقته بإيران.
تأتي هذه الزيارة على مسربين مهمين، أولهما المسرب الأردني، وما يتعلق بالعلاقات الأردنية الأميركية، على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، خصوصا، أن للأردن أصدقاء في الإدارة الأميركية، وهي صداقات تأسست قبل سنوات، وستترك أثرا في فهم الأردن، والتأثر برأيه، أو التجاوب مع تطلعاته على مستويات مختلفة، خصوصا، في هذا التوقيت.
الجانب الأهم في هذه الزيارة، أنها تحمل ملفات عربية ثقيلة اكبر من النقاشات المعتادة، دون أن يعلن الأردن ذلك، فهي الزيارة الأكثر أهمية لقضايا عربية، خصوصا، الملف السوري، وعقوبات قيصر، وتأثير ذلك على السوريين، والأردن، وقد يكون لدى الأردن تصوره الخاص حول أهمية استثناء الأردن من هذه العقوبات، إضافة الى ان هناك توقعات بحدوث مناقشات حول الملف السوري، بشكل عميق مع الكلام عن اتصالات اردنية سورية سياسية لم يتم الإعلان عنها، وقد يكون من مصلحة الأردن اليوم، تخفيف الضغوطات عن السوريين، والسعي لعودة دمشق الى جامعة الدول العربية، وهذا توجه لدى دول عربية متعددة، لكن العقدة الإيرانية هي الماثلة هنا، بشأن الملف السوري، مثلما انها الذريعة لمحاصرة السوريين.
لقد شهدنا زيارة الملك الى بغداد، وعقد القمة الثلاثة الأردنية العراقية المصرية، وهي الزيارة التي تأجلت مرتين، وهذه القمم الثلاثية التي تجري لتعزيز العلاقات الاقتصادية، ضمن نمط جديد يسعى للتكامل، تعبيرا عن الموقف السياسي، قد تكون منصة محملة أيضا بالرسائل للأميركيين على صعيد دعم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تحديداً، خصوصا، أن الأردن يرى في الكاظمي شخصية إيجابية جدا، ويؤمن الأردن بضرورة دعم العراق، وعلاقاته العربية، وتثبيت موقعه واستقراره بكل الطرق على المستوى الدولي، بما في ذلك نظرة الاميركيين الى الكاظمي والعراق بشكل عام، خصوصا، في ظل ذات العقدة الإيرانية.
علينا ان نلاحظ هنا أن واشنطن تحدد موقفها من العراق وسورية، وحتى لبنان، بسبب الملف الإيراني، وهذا الملف قد يؤدي نهاية المطاف الى ابتكار معادلة بفصل المسارات بين الإيرانيين وهذه الدول، برغم ان فصل المسارات هنا، يبدو مستحيلا على ارض الواقع، لكن العرب يحاولون ذلك، قدر الإمكان، كون فواتير الصراع الإقليمي تتنزل على كل العرب.
الملف الحاضر هو الملف الفلسطيني، والأردن هنا، يريد إطلاق عمليات التفاوض من جديد، ويريد دعم الإدارة الأميركية، وليس ادل على أهمية الزيارة من قيام الرئيس الفلسطيني بزيارة عمان أمس، في سياق تصورات فلسطينية، يراد عبرها مساعدة الأردن للفلسطينيين خلال زيارة الملك، في ظل تحديات على صلة بالقدس وملف الضفة الغربية، وعملية السلام، وصولا الى تأثيرات عدم الاستقرار داخل على مستوى حكومة تل أبيب.
هناك حالة قلق في العالم العربي من توجهات الإدارة الأميركية الجديدة، فهي جاءت على أنقاض إدارة تسببت بأزمات كثيرة، وما تزال الإدارة الجديدة بعيدة عن ملفات المنطقة، وربما يراد هنا، استعجال الإدارة للدخول الى هذه الملفات، إضافة الى بلورة موقف محدد، كما ان هناك عدة اطراف عربية تريد ان تعيد التموضع في العلاقة مع الإدارة الجديدة، لاعتباراتها الخاصة، بعد ان تركت الإدارة السابقة أثرا سلبيا على تصنيفها على الخريطة العالمية.
بهذا المعنى فإن هذه الزيارة تختلف عن سابقاتها، فهي على الصعيد الأردني تأتي بعد مرور عامين واكثر من الجفاء مع واشنطن، وفي ظل ظروف أردنية معقدة على مستويات مختلفة، كما انها محملة بدور عربي كبير، في قضايا معلنة، وغير معلنة، بما يعزز أهميتها.