صفقة القرن
الكاتب والمحلل السياسي عبد الحفيظ أبو قاعود
ألجدل الدائر بين الاوساط السياسية والعامة حول مخرجات ” خطة كيري” التي استبدلت كمصطلح ب "صفقة القرن ” لتهويد فلسطين المحتلة من جانب،مقابل تعويض اللاجئين من عرب فلسطين للبقاء في الشتات ، ومن جانب أخر، وانعكاساتهاعلى مسقبل الاردن السياسي من خلال خطة "هندرة النسق” لاستيعاب مخرجات الصفقة ؛ أستهدف بالاساس التوافق الوطني على الثوابت الوطنية والقومية حول وجودية الصراع العربي – الصهيوني ،وفق رؤية التيار الوطني ؛ ” فلسطينون لبناء الاردن واردنيون لتحرير فلسطين من النهر الى البحر”. لكن في الوقت ذاته فأن الحوار الوطني على هيئة جدل سياسي بين ” الارادنة ” من التيار الوطني الحر تارة ، وتارة اخرى في الخروج الى الميادين في المدن الرئيسية ومضارب العشائر ؛ أستنفر مرجعيات سياسية في البلاد في مهاجمة رموزالتيار الوطني الذين يرون في "مشروع الهندرة”؛مؤامرة على مستقبل الاردن وفلسطين السياسي .
ملف "هندرة النسق” في دوائر عواصم القرار الدولي بات يلقي بظلاله القاتمة من جديد على مشروع تصفية قضية فلسطين،حيث تتبنى الادارة الامريكية تنفيذ "الصفقة ” التي ،هي؛ بالاساس "خطة كيري ” لتصفية قضية فلسطين واستبدال ” صندوق ساركوزي الدولي” لمساعدة المستوطنيين لتهويد فلسطين مقابل تعويض اللاجئين من عرب فلسطين للبقاء في الشتات بصندوق”كوشنير” في أطار مفاوضات ألحل النهائيه،التي اشرف عليها وزير الخارجية الامريكي الاسبق جون كيري لفترة ادارة اوباما ،وخلفه في استكمال تنفيذ الخطة لتصبح "صفقة القرن ” في عهد إدارة ترامب كوشنير صهر الرئيس ترامب ومستشاره الخاص .
وفي اطارمخرجات هذا المشروع ؛ يتحدد مستقبل الاردن وفلسطين السياسي بعد الموافقة على التنازل عن ” حق العودة” للاستجابة للمتطلبات خطة تصفية قضية فلسطين في مفاوضات "الحل ” النهائية ” صفقة القرن”، بحيث تتحول مناطق "ا” في اوسلو من حكم ذاتي مدني مؤقت الى حكم مدني ذاتي دائم ،لامجال لاقامة دولة مستقلة فيها ، لانه يفصلها عن الاردن شريط استيطاني عسكري فيه مليون نسمة لمواجهة الجبهة الشرقية يمتد من بيسان شمالا الى عين جدي جنوبا ؛ الامر ،الذي يمنع قيام دولة او كيان فلسطيني مستقل يتحد مع الاردن ، مما جعل "السلطة رام الله "في مأزق حقيقي بين خيارين احلاهما مر ؛ اما انهاء اوسلو والعودة الى المربع الاول اوالانخراط بمشروع صفقة القرن.
وكان الرئيس الفرنسي الاسبق نقولاي ساركوزي إبان ولايته ، قد أعلن عن جزء من مبادرة "فرنسية أسبانية”؛أستهدفت تأسيس صندوق دولي براسمال ربع تريليون دولار لمساعدة المستوطنين لتهويد فلسطين المحتلة من جانب،وتعويض اللاجئين من عرب فلسطين مقابل البقاء في الشتات من جانب اخر في حال موافقه السلطة في رام الله على التنازل عن حق العودة. ومن المفروض ان يطرحها ساكوزي ، بعد استكمال دراستها من الاطراف المعنية.الا أن الحراكات الشعبية في البلاد العربية في عام 2011، وخسارة ساكوزي ألانتخابات الرئاسية الفرنسية حالت دون طرح "المشروع ” بالعلن وظل في أروقة الغرف التفاوضية المغلقة والسرية في عواصم القرارالدولي الى حين أعلان ” الخطة او الصفقة ” في مفاوضات الحل النهائي”صفقة القرن ".
على هامش ما يدور من جدل وإستنتاجات بين هذه الاوساط السياسية ، بهدف رسم سيناريوهات لمواجهة ألاثار السلبية لمشروع الهندرة للنسق الذي يهدف الى توطين جيوش لاجئي الحروب في اطارسياسي جديد ؛ نجد انه يستوعب مكونات النسيج الاجتماعي ضمن نظام المحاصصة الاثنية بعد تمركز غالبية مكون اجتماعي في وسط البلاد ، هو ؛بالاساس محور مشروع الهندرة ، للحصول على ” حقوق منقوصة "، والاندماج في النطام الجديد ، لكن بالمقابل ان نسبة 99.9% من عناصر المنظومة العسكرية والامنية مؤلفة من "المكون الاساس” ،التي تتوزع حاظنته الاجتماعية في الاطراف ؛ معادلة ديمغرافية وامنية معقدة تقف عائقا امام استكمال مشروع الهندرة وصفقة القرن .فالمشروع الفرنسي – الاسباني ،الذي وضع في الادراج الى حين ، تم احياؤه بمشروع كوشنير ،التي تتبناه الادارة الامريكية الحالية لتنفيذ ” خطة كيري ” التي استبدلت ب” صفقة القرن ” التي تروج لها ادارة ترامب بعد الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لاسرائيل وضم الجولان المحتل تمهيدا للاعتراف الامريكي بضم "الضفة الغربية” المحتلة لاستكمال الدائرة الصغرى منالمشروع الصهيوني .
فألجدل والسجال بين اوساط تيار الوطنية الاردنية حول "الخطة او الصفقة” ؛أستهدف في الاساس تدارس الابعاد السلبية لها على مستقبل الاردن وفلسطين السياسي،وإستجلاء صوابية الموقف الرسمي من هذا الملف الشائك، والقدرة على إمتلاك أوراق تفاوضية جديدة تساعد في تعظيم تقديم الحجج القوية لتدعيم حقوق عرب فاسطين المشروعة وغير القابلة للتصرف،وفي الحصول على تعويض عادل لمواطنيه النازحين واللاجئين والمقيمين،وليس لخلق مزيد من التوترات غيرالمحسوبة في الجبهة الداخلية،وتهديد السلم الاهلي ،وأشاعة الفوضى في البلاد.فقد طرح خبراء أستراتيجيون عدة إسئلة حول مشروعية ” الخطة ” او”الصفقة” في المساعدة في تهويد فلسطين المحتلة مقابل تعويض مرفوض أصلا من أصحاب حق العودة انفسهم للوصول الى قواسم مشتركة لفهم ما يجري من أرهصات وتفاهمات وتجاذبات وتحالفات في الاقليم منها :-
– التطبيع العلني مع إسرائيل والاعتراف بيهودية الدولة ” السعودية والبحرين نموذجا في زمن التولي وانهيار مسار الكامب وملحقاته بعد 40 عاما من العلاقات الدبلوماسية والتنسيق الامني العلني والسري ؛ منظومة التحالف الامني الاقليمي في عام الاستدارة الكبرى 2019، .
– تعاظم محور المقاومة واستكمال جبهاته الشمالية والشرقية والجنوبية في الذكري الاربعين للثورة الاسلامية الايرانية ، وقيام التحالف الاستراتيجي بين الجمهوية العربية سورية وايران الدولة المدنية ،الذي استولد جزب الله الذراع المقاوم للتحالف منذ العام 1982.
– على الصعيد العالمي ؛قيام تحالفات دولية واقليمية لبناء نظام عالمي متعدد الاقطاب والثقافات بعد انهيارالنظام الدولي احادي القطبية ؛ البريكس وشنغهاي نموذجا ، وانتقال مركز التجارة العالمية ” راس المال العالمي ” من الشمال الى الجنوب .
– انهيار منظومة التحالف الامني الاقليمي التي انشأئتها الولايات المتحدة الامريكية في العام 1988،بهدف استمرارمسار الكامب وملحقاته وانظمام انظمة اخرى للمصالحة المكشوفة مع إسرائيل .واتساع ظاهرتي الفقر والبطالة في دول المنظومة ، التي تهدد السلم الاهلي في المجتمع المدني .
– الهزايم المتوالية للولايات المتحدة وتحالفاتها الدولية والاقليمية في حروبها المباشر وبالوكالة في العراق وسورية واليمن وافغانستان ، وارتفاع مديونتها الى 25 تريليون دولار،اضافة الى تنامي الشعورلدى الامريكيين ضد الحروب ، والانكفاء للداخل وتوجه بعض الولايات الى انفصال عن الاتحاد .
– الثورات والاحتجاجات الشعبية المتوالية من مغرب الوطن العربي الى مشرقه منذ العام 2011،لانهاء مخرجات سايكس بيكو في عام الاستدارة الكبرى 2019، للانتقال من الاستبتداد الى ثقافة فن الحياة ” التناوب السلمي على السلطة ” .
– انهيار تجربة الاتحاد الاوربي بانسحاب بريطانيا من الاتحاد في العام 2019، لتبصح اوروبا القارة العجوز.واعلان افلاس بعض اعضائه .
– الاعلان عن فشل حل الدولتين بالتوجه الى "هندرة النسق” لاسيتعاب مخرجات "صفقة القرن” لعدم وجود اراضي للاتحاد معها .
ولفهم مغازي هذه السجالات الوطنية من قبل مرجعيات النسق وتحويلها الى أوراق تفاوضية مضافة ؛الامر الذي لا يحتاج الى سياسيين مخضرمين فحسب ، بل الى خبراء في فن التفاوض مع الاخر. لكن عيجان” البزنس والاقطاع السياسى "غير مأتمين على السيادة الوطنية والقرار المستقل ، وليسوا مؤهلين لهذا الفن من التفاوض.فالمطلوب من المرجعيات السياسية ؛الاجابة بشفافية عن جملة تساؤلات مثيرة !!!، مع العلم ان الحكومات تتحدث في أروقتها وبسرية تامة ؛انها جاءت ل”مرحلة سياسية ” جديدة لها طبقتها السياسية ورجالها، دون الافصاح عن مرتكزاتها وأدواتها ومصادر تمويلها وأهدافها وأبعادها الدولية وألاقليمية وألمحلية،إن كان لدى”الحكومة” مشروع سياسي جديد في الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،إلا إذا كانت معنية بتبني وتسويق”صفقة القرن” التي جاءت استكمالا ل” خطة كيري” لتصفية قضية فلسطين.
ويتضمن الاعلان عن إطلاق” الصندوق الدولي” للتعويضات ،ويمول من إيرادات البترو دولار بشكل رئيسي ،لتعويض اللاجئين الفلسطينيين للبقاء في الشتات، ومساعدة المستوطنيين الصهاينة في إستكمال تهويد فلسطين المحتلة،عزز ألقناعة،بان النشاط الدبلوماسي الامريكي- الاوروبي ؛كان ومازال محوره البحث في تفاصيل واليات التنفيذ والاخراج لرسم السيناريوهات للمخطط الجديد لتصفية قضية اللاجئين بإسقاط حق العودة وتهويد فلسطين المحتلة.ولتحقيق هذه الاهداف جاءت فصول سيناريوهات مؤامرة الحرب الكونية على سورية ومن سورية ، ومشروع "هندرة النسق” في مشروع الشرقالاوسط الكبير .
لقد سبق الاعلان الفرنسي – الاسباني فى عهد ولاية ساركوزي نشاط دبلوماسي فرنسي واسباني مكثف وملحوظ في دول المنطقة ، رافقه زيارات متكررة لمسئولين من العرب وإلإسرائيليين الى كل من باريس ومدريد وواشنطن خلال ولاية ساركوزي للتمهيد للمشروع واعلان الياته ، لكن ما اطلق علية بالربيع العربي "الحراكات الشعبية في الميادين لاسقاط الانظمة اجلت عملية التنفيذ الى حين ،لان ألادارة الامريكية وحلفائها الاوروبيين والاقليميين،أحتاجت الى وقت إضافي لمزيد من الدراسة لنتائج القضايا والملفات الساخنة ،وعلى رأسها ملف التوطين السياسي والغاء حق العودة ،واسقاط النسق السوري ودولته الوطنية ، بعد إلاعلان عن حلف دمشق الرباعي، ورفض الرئيس بشارالاسد الانخراط بمنظومة التحالف الامني الاقليمي والانخراط بالمصالحة المكشوفة مع إسرائيل .