هل حانت نهاية التعليم في لبنان؟
بيروت – رويترز: قضت كريسولا فياض، التي تخرجت من جامعة السوربون الفرنسية، قرابة 20 عاماً وهي تتولى تدريس التاريخ والجغرافيا في مدارس فرنسية راقية في لبنان حتى أصـبحت رئيـسة أكثر من قـسم.
أما الآن فقد أصبحت معلمة احتياطية في باريس بعد أن جرفتها موجة النزوح من النظام التعليمي الذي أوشك على الانهيار.
فقد تركت فياض بيتها ومُدّخرات العمر في أغسطس/آب 2020 وهي في الخمسين من عمرها. وقبل ذلك بأيام أصيب المستشفى الذي يعمل به زوجها وعيادته الطبية بأضرار ضمن الدمار الذي لحق بقطاعات كبيرة من بيروت عندما انفجرت مواد كيماوية في مرفأ بيروت فكانت تلك هي القشة الأخيرة.
وتسبب الفساد والخلافات السياسية في انخفاض قيمة العملة المحلية بأكثر من 90 في المئة في أقل من عامين، الأمر الذي دفع بنصف السكان إلى براثن الفقر، وحال بين المودعين من أمثال فياض وبين حساباتهم المصرفية.
ولا تشعر فياض بالندم رغم الظروف الخانقة التي تعيشها. وتقول «دائما أقول الحمد لله أننا أتيحت لنا هذه الفرصة للمجيء إلى هنا. للأسف أنا أدرك أنني اتخذت القرار الصواب عندما أرى الحال في لبنان الآن».
وكان القطاع التعليمي في لبنان يعد رائداً على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط، وكان يحتل المرتبة العاشرة على مستوى العالم في تقرير التنافسية العالمية الذي يصدره «المنتدى الاقتصادي العالمي».
أما الآن فليس من الواضح كيف ستتمكن المدارس من تدبير أمورها عندما تبدأ السنة الدراسية الجديدة في أكتوبر/تشرين الأول.
وقال رينيه كرم، رئيس رابطة أساتذة اللغة الإنكليزية في لبنان «عندما نشبت الأزمة في 2019 فاجأت القطاع التعليمي».
ففي البداية استغنت بعض المدارس الخاصة عن المعلمين ذوي الأجور الأعلى، أي حوالي 30 في المئة من العاملين، لتوفير المال. لكن بمرور الوقت رحل كثيرون غيرهم من تلقاء أنفسهم. وأشار كرم إلى أن نصف أعضاء الرابطة البالغ عددهم 100 مدرس انتقلوا الآن إلى العراق ودبي وسلطنة عمان.
وأصبحت المرتبات التي تبدأ من 1.5 مليون ليرة لبنانية شهرياً تساوي الآن أقل من 90 دولاراً بسعر السوق الحرة في بلد كانت تعادل فيه من قبل 1000 دولار. وأضاف كرم «نحن في أزمة حقيقية».
وتمثل المدارس الخاصة 70 في المئة من القطاع التعليمي بما يفوق 1500 مؤسسة تعليمية.
وقال رودولف عبود، نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، أن كل مدرسة فقدت ما بين عشرة و40 من المعلمين حتى الآن، وأن بعضهم يبقون في منازلهم لأنهم لا يستطيعون تدبير نفقات رعاية الأطفال.
وأضاف «نحن في مرحلة البقاء على قيد الحياة فقط، الضروريات. لا توجد مدرسة واحدة الآن لا تعلن عن وظائف خالية».
وحدث بالفعل ضم تلاميذ من عدة فصول دراسية في بعض المواد. كما أن انقطاعات الكهرباء اليومية ونقص المواد الأساسية يجعل من الصعب تسيير العمل في المدارس.
وهذا الأسبوع ألغت وزارة التعليم الامتحانات النهائية للشهادة المتوسطة، استجابة لضغوط الآباء والعاملين الذين يصرون أن الظروف الاقتصادية تجعل تنظيم هذه الامتحانات مستحيلاً.
وقال كرم «الوزير أراد إجراء الامتحانات، لكن ألا يعلم أن في لبنان نقص في الورق والحبر، وأن المعلمين لا يمكنهم العمل مجاناً، والمدارس لا يمكنها العمل دون وقود لمولدات الكهرباء؟.»
وقالت وزارة التعليم أنها ضمنت صرف أجور إضافية من متبرعين للمعلمين الذين سيشرفون على الامتحانات لكن معظمهم انسحبوا.
وقالت هيلدا خوري، المديرة الوزارة، في رسالة بالبريد الإلكتروني «أغلبية المعلمين انسحبوا تدريجياً من الإشراف، وهذا هو ما كان سبباً في استحالة إجراء امتحانات المدارس المتوسطة» مضيفة أن امتحانات المدارس الثانوية ستتم.
من جهة ثانية قال الأب بطرس عازار، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أن الآباء في كثير من تلك المدارس البالغ عددها 231 مدرسة في لبنان يواجهون صعوبات في دفع المصروفات السنوية التي تتراوح بين ثلاثة ملايين وثمانية ملايين ليرة. وأضاف «لكننا أخذنا قرارا بالاستمرار وبذل أي شيء لإبقاء المدارس مفتوحة».
وقالت موظفة حكومية أنه لم يدفع أحد حتى الآن مصروفات العام المقبل في المدرسة التي يذهب إليها ابناه، وهما في العاشرة والسابعة من العمر. وكانت المدرسة طلبت 600 دولار عن كل طفل بالدولار الأمريكي بالإضافة إلى 12 مليون ليرة لبنانية.
وأضافت «أين يأتي أحد بدولارات جديدة للسداد هذه الأيام؟ كلنا نحصل على أجورنا بالعملة المحلية ولذا كيف يُفترض أن نحصل على هذا المبلغ؟» وطلبت عدم نشر اسمها لحساسية وظيفتها.
أوضح رودولف عبود، وهو يجلس في واحدة من 130 مدرسة لحقت بها أضرار في انفجار مرفأ بيروت، أن بعض الآباء يسحبون أولادهم من المدارس الخاصة إلى مدارس الدولة، مما يفرض ضغوطا على قطاع التعليم الصغير التابع للدولة أو ينتقلون للخارج.
وقال «نحن نشهد عائلات تنتقل من المدارس الخاصة إلى المدارس العامة وآخرين ينتقلون خارج لبنان إلى دول عربية أو أوروبا والولايات المتحدة وكندا وهذا يخلق مشكلة». كما أن المزيد من المدرسين يتأهبون للرحيل.
وتقول جوي فارس (25 عاماً) التي تعمل بالتدريس منذ خمس سنوات «فارق كبيرة بين الوضع الآن وقبل عامين». وتضيف «حينها كنت أقول لا. أنا أريد البقاء مع أسرتي … أما الآن فلا. الرحيل أصبح معقولاً».