حراك المعلمين.. له وعليه

كاظم عايش-لنعترف ابتداء أن المعلم في بلدنا ليس في وضع جيد ولا مقبول، فدخله دون الحد الادنى لمتطلبات الحياة الكريمة، باستثناء معلمي بعض المدارس الخاصة والمؤسسات التربوية، وهذا يضع مسؤولية على الحكومات، خاصة أن التنمية الحقيقية لا يمكن ان تتجاوز حال المعلم وتتغاضى عن حاجاته، لأنه العنصر الاهم في أي خطة تنموية يرجى لها النجاح.
ولنعترف في المقابل أن الحكومة ليست في وضع يسمح لها أن تستجيب لكل متطلبات المعلمين، وهنا يجب أن نصل جميعا الى حل وسط، بحوار مسؤول، بعيدا عن التحدي ولي الاذرع، وبعيدا عن البيروقراطية المقيتة، وبعيدا عن الاتهامات المتبادلة وتخيل وجود مؤامرات وراء حراك المعلمين أو تبريرات وزارة التربية، ويبدو وللأسف أن حكوماتنا ورثت معادلة مضللة تجاه المطالب الحياتية للمعلمين واصحاب المهن المختلفة، إذ إنها تحاول دائما أن تفسر هذه الحراكات بطريقة لا تمت الى حقيقتها بصلة، لتتملص من مسؤولياتها تجاه هذه المطالب.
مواجهة الحراك السلمي للمعلمين بعقلية أمنية مجردة من أي اعتبارات أخرى هو خطيئة ترتكبها الحكومة بحق ابنائها، وكان من الممكن تفادي تداعيات هذه المواجهة بكل سهولة، كل ما كان يلزم هو تقنين الحراك وضبطه وتحديد مساراته والحفاظ على سير الحياة اليومية في العاصمة، أما إغلاق الطرق بالكيفية التي تمت لمنع وصول المعلمين الى مكان الاعتصام فلم يكن موفقا على الاطلاق، وأدى الى تصعيد الموقف وتأزيمه، والاساءة الى صورة الوطن الواحد.
وطالما أن الموضوع الذي هو محل الخلاف بين المعلمين والوزارة ليس جديدا، وانما هو حق مقر، تحاول الوزارة الالتفاف على تنفيذه بطرق غير مقنعة، فكان من الاجدى أن تقدم الحكومة أو الوزارة المعنية تصورات وحلولا قبل الدخول في الاجراءات التصعيدية، ولكن وللأسف لم يحدث ذلك، وبدلا من الاعتراف بالتقصير، استخدمت الحكومة وسائل دفاعية مستفزة، لا تؤدي الا الى زيادة التأزيم، وتبادل الاتهامات، وتوسيع دائرة الخلاف وتحشيد المجتمع ضد بعضه بطريقة غير مسؤولة ولا تراعي حساسية الموضوع، فالامر يتعلق بمعلمين يوجهون أبناءنا ويعلمونهم القيم والاخلاق، وهم بمثابة القدوات ويستحقون كل الاحترام والرعاية، ولا ينبغي أن يوضعوا في خانة الاتهام والتقصير والمساءلة، فهذا أخطر ما يمكن تصوره في آثاره الخطيرة على المجتمع.
نحن مع المعلمين في مطالبهم المادية والمعنوية، ولكننا أيضا مع العقلانية في إدارة هذه المطالب، ومع جدولتها بما يحفظ الحقوق للجميع، فالمعلم والطالب هما أغلى عناصر مجتمعنا وعليهما المعول في خروجنا من حالة التخلف والضيق الذي نعاني منه جميعا، ونحن مع إعطاء أولوية لتحسين أحوال المعلمين ولو على حساب قطاعات أخرى، حتى لو لزم تحميل المواطنين أعباء إضافية لصالح المعلمين، فهؤلاء أولى من غيرهم من القطاعات التي نتحمل من أجلها في كثير من الأحيان، وحين تعود للمعلمين أهميتهم وتحفظ كرامتهم، فإننا نضع أرجلنا على الطريق الصحيح في عملية البناء والتنمية الحقيقية وإعادة الثقة المفقودة بين المواطن والحكومات، ونرسي أهم ركائز الاصلاح المجتمعي، الذي هو مطلب الجميع، والمسار الذي لا مفر منه لحياة بعيدة عن التوترات، ويسودها الأمن الحقيقي الذي نقتقده، وهو الأمن النفسي والاجتماعي.