هل تتجاوز «لجنة الإصلاح» مأزق «التسوية»؟
الفـارق كبـير في الحالة الأردنية ما بين إـصلاح حقيقي وتغيـير، وبـين البحث عن صيغة «تـسوية» في الإطـار النـخبوي قد لا تخدم إلا نفـسها فقط.
يبرز الفارق المشار إليه خصوصاً إذا انحرفت اتجاهات الإصلاح عن المعنى الحقيقي للتغيير تحت عنوان تحديث المنظومة السياسية، بموجب ما أمر به الملك عبد الله الثاني لجنة ضخمة وعريضة العدد مؤلفة الآن من 91 عضواً، وظيفتها العمل على مراجعة التشريعات وتحديث بعضها، خصوصاً في إطار القانون والأحزاب. مجدداً، اللجنة الملكية بكل أعضائها واتجاهاتها واجتماعاتها تحت أضواء ساطعة من المراقبة اللصيقة.
القصر الملكي.. الناس.. النخب.. مؤسسات الدولة: الجميع يراقب اللجنة ويرغب بتحريكها لكل الملفات، تلك التي تحت الطاولة، وتلك التي فوق الطاولة، على أمل إحداث تغيير ما.
المتربصون متاحون أيضاً بـ»الجملة» خصوصاً في البرلمان والحكومة أو في مراكز القوى النخبوية والصالونات السياسية واللجنة ورئيسها.
بطبيعة الحال، مثل هذه الأضواء قد تخطف الأبصار أحياناً.
وقد تؤدي إلى حالة من عمى الألوان والاحتقان، خصوصاً أن الممارسات الإصلاحية في الماضي كانت بصيغة «تسوية أو إلهاء» على حد تعبير الناشط الإسلامي المعارض محمد خلف الحديد، الذي يحذر مجدداً وعبر «القدس العربي» من العودة إلى اللعبة القديمة في إلهاء الحكومة للناس بحديث عن الإصلاح الحقيقي ثم تجاهل متطلبات الإصلاح.
لكن الرقابة لا تقتصر على تلك السوداوية التي تظهر في منطوق حديث الناشط الحديد، فقياديون في الحركة الإسلامية مصرون على منح هذه اللجنة الفرصة كاملة لإنضاج برامجها والعمل عليها مقابل تذكير الجميع بأن المسألة لا تتعلق بالغطاء والأجندة والمنجز، وإن كانت تتعلق أيضاً بالبيئة والمناخ. وحده الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، يقف في موقف متقدم من الجاهزية للانسحاب إذا لم تقدم اللجنة شيئاً ملموساً للأردنيين.
تحت مفردتي «البيئة والمناخ» يمكن وضع عشرات الخطوط. وعضو اللجنة الشاب والمحلل الاستراتيجي الشاب الدكتور عامر السبايلة، قال مبكراً أمام «القدس العربي» عدة مرات، بأن مراكز القرار في الدولة الأردنية ينبغي أن تهيئ مناخاً حقيقياً لعمل اللجنة باتخاذ قرارات تغييرية إدارية يمكن اتخاذها بكل بساطة، توحي بالرغبة باستعادة الثقة حتى تنضج مسارات العصف الذهني وتعمل اللجنة الملكية بحالة استرخاء أكثر نحو التفاصيل التي تنتجها.
بعد السبايلة، يرجح أن ذلك لم يحصل.
ويبدو أن رئيس اللجنة سمير الرفاعي، لديه أيضاً ملاحظات لها علاقة بالمناخ، فيما الحكومة -وهي السلطة الدستورية- تسير في اتجاهات أخرى أحياناً، أو معاكسة للمناخ الإيجابي الذي يفترض توفيره.
طبعاً، في الأفق ثمة ملاحظات جوهرية وعميقة في عدة جهات لها علاقة بمسألة المناخ، تبدأ من اعتقال ناشطين في نقابة المعلمين، ثم تعبر إلى اختراع فكرة الدورية الإلكترونية على منصات التواصل، ولاحقاً لإعادة ومنع المعارض الأردني الدكتور أحمد عويدي العبادي وزوجته من السفر بالمطار بعد ختم جوازات سفرهما في إطار رحلة عائلية، كمان قالت منابر الحراك والمعارضة.
قبل ذلك، إشارات غير مفهومة من الحكومة تصر على اعتماد مشروع قانونها المحول للبرلمان بخصوص الإدارة المحلية، فيما تعمل لجنة فرعية كاملة على هذا الملف، وتتجاهل الحكومة ملاحظات لا بل مناشدات اللجنة الملكية في هذا الإطار.
يحدث بطبيعة الحال كل ذلك، والسبب أن الأضواء تتابع ليس اللجنة فقط ولكن -في ظل مرحلة ما بعد تشكيل اللجنة وتسليط الإعلام الرسمي لكل الأضواء عليها- أصبحت الجاهزيه لالتقاط مفارقات عكس الإصلاح عند منابر الحراك والمعارضة وحتى الصحافة المهنية ومنصات التواصل الاجتماعي في حالة رصد واستفزاز للكمائن التي يقال إنها تزرع دون مبرر أيضاً أو تعكس حالة من عدم التنسيق أو التوافق داخل مؤسسات الدولة في عهد لجنة الإصلاح.
في كل حال، لجنة الإصلاح في حالة تحد كبيرة، ولا تزال تعمل في كل الاتجاهات الممكنة للعمل.
لكن الأجندة السياسية ضاغطة، والأجندة الاقتصادية في كل الأحوال ينشغل بها الجميع في كل الأوقات، والجديد الممكن الذي يمكن أن يؤثر على المعطيات والأجندة الصحية في حال عودة فيروس كورونا هو في موجته الثالثة كذلك.
في الجانب الإداري والإجرائي، تبين لجميع الأطراف داخل اللجنة مؤخراً عدم وجود محاضر لاجتماعات المكتب التنفيذي، وهي مسألة لفتت نظر عدة أطراف داخل اللجنة، وقد تكون هي الدافع وراء دعوة رئيس اللجنة لجميع الأعضاء لحضور اجتماعات المكتب التنفيذي لمن يرغب في ذلك، في إطار الحرص على الشفافية؛ بمعنى أن رئاسه المكتب التنفيذي عممت على الأعضاء أيضاً في هذا الاتجاه بإمكانية حضور تلك الاجتماعات منعاً لأي التباس أو غموض.
في الوقت نفسه، ما زالت اللجنة المعنية بملف الإدارة المحلية والحكم المحلي لم تنجز مشروعاً محدداً تم التوافق عليه بصفة جماعية حتى الآن.
وفيما يتعلق باللجنة المختصة بملف الانتخابات، حيث القضايا المعقدة والشائكة، يعتقد بأن الإصرار بين الحين والآخر على استخدام برامج كمبيوتر إحصائية واستقصائية تحسب بالأرقام فور تقديم أي مقترحات قد يكون من المعيقات الرئيسية التي تؤدي إلى عدم التوصل إلى تصورات تعالج معضلة توزيع المقاعد الانتخابية بشكل يؤدي إلى تحقيق المشاركة السياسية العامة.
ويعكس الإنصاف بالمعنى الاجتماعي، وينتج عنه حالة تخدم التعددية والثقافة الحزبية، وتؤدي إلى التنمية السياسية، حيث إن استخدام إحصاءات عمياء بين الحين والآخر، كما يفعل عضوان في اللجنة، هو من الأمور التي تخيف التقدم نحو خطوات إصلاحية في الاتجاه المطلوب.
بكل حال، وعلى صعيد اللجان والملفات، لا يرى المراقبون الخبراء إلا مفارقات يمكن أن تفضي إلى تسوية جديدة برداء إصلاحي، الأمر الذي لا يمكن اعتباره ملبياً للطموحات الملكية مرحلياً، ولا يعكس رغبة الرأي العام بطبيعة الحال، وقد لا يعكس أيضاً الاتجاه العام داخل اللجنة الأم.
بسام البدارين
القدس العربي