“قومية المطاعيم” تقيد حرية سفر الأردنيين
حنان الكسواني
عمان- يلقي صراع سياسي دولي حول نوعية اللقاحات الواقية من فيروس كورونا بظلاله على الأردنيين والعاملين في الخارج، ويقيّد من حرية تنقلهم بين بلدان العالم ما شكل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان ومخالفة صريحة لمعايير الصحة العامة بحسب هيئة الأمم المتحدة.
هذه الفئة المتضررة التي تحولت الى وقود لأزمات سياسية صامتة "ليس بيدهم حيلة” سوى الانصياع لقرارات دول اعتمدت لقاحات محددة للسماح بدخول أراضيها، في حين هرولت بعض الدول لاتباع شروط دول عالمية ضاربة بعرض الحائط قرارات منظمة الصحة العالمية، التي اجازت اللقاحات واعتبرتها "فاعلة وآمنة”.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشترط أميركا لدخول أراضيها لقاحات (فايزر بيونتك، وجونسون آند جونسون ومودرنا)، فيما ترفض الصين المطاعيم الاميركية وحتى الروسية وتكتفي بلقاح "سينوفارم”، الذي انتجته وهو أول لقاح يتلقى الضوء الأخضر من منظمة الصحة العالمية بجانب 4 مطاعيم أخرى انتجتها للتصدي لفيروس كورونا هي (كانسينو بيولوجكس، وسينوفاك، نهوي زيفي لونغكوم، مينهاي) بحسب ما رصدته "الغد” عن الموقع الالكتروني لـ”كوفيد 19 تراك فاكسين”.
أما الاتحاد الأوروبي، فيرفض المطعومين الروسي والهندي، واعتمد اللقاح البريطاني والأميركي الألماني مع منح الخيار لكل دولة أوروبية اعتماد لقاحاتها حيث اختارت فرنسا 4 مطاعيم هي مودرنا، فايزر- بيونتك، جونسون آند جونسون، وأسترازينيكا-أكسفورد.
وفي الوقت الذي حددت الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر والكويت وعمان والبحرين لقاحات عالمية محددة، كان القاسم المشترك بينهما اللقاح الأميركي الألماني (فايزر بيونتك)، ما شكل صدمة لأغلب العاملين والمقيمين من الجنسية الأردنية في هذه البلدان كونهم تلقحوا في الأردن مطعوم سينوفارم الصيني بحسب ما حددته وزارة الصحة لهم.
وللخروج من عنق الزجاجة، وبعد ان تعالت أصوات "ضحايا محدودية اللقاحات” من السائحين والمقيمين من الأردنيين في الخارج، أكد وزير الداخلية مازن الفراية لـ”الغد” أن "الأردن لن يتمكن من تحديد حجم المشكلة الا بعد حصر أعداد الأردنيين المتضررين من نوعية المطعوم”، متوقعا أن يتم ذلك في غضون الأسبوع المقبل.
ولم يتردد الوزير الفراية في الكشف عن "إعطاء جرعة ثالثة للأردنيين من نوعية تتوافق ووجهة سفرهم على أن يتحمل المواطن مسؤولية قراره”.
يشار الى أن وزارة الصحة أطلقت الأسبوع الماضي منصة الكترونية لاستقبال طلبات الأردنيين المقيمين والعاملين في الخارج (المملكة العربية السعودية، الكويت، الدول الأوروبية، أميركا، كندا) من المطعمين بمطاعيم لا تمكنهم من دخول تلك الدول.
الى ذلك، جدد أمين عام وزارة الصحة لشؤون الأوبئة مسؤول ملف كورونا عادل البلبيسي تأكيداته لـ”الغد” أن "هناك اتصالات بين وزارة الخارجية وسفارتنا في الرياض مع الجانب السعودي، واتصالات أخرى بين وزارة الصحة ونظيرتها السعودية، بعد شكاوى مواطنين من عدم توافق المطاعيم التي حصلوا عليها مع المطعوم الذي حددته السعودية”.
ولم تتوقف جهود "الصحة” عند هذا الحد، بل اجرت مباحثات مع دول أخرى لم تجز المطاعيم العالمية التي اعتمدها الأردن، بحسب البلبيسي الذي قال "الهدف الاسمى هو تحصين المواطن ضد الفيروس بصرف النظر عن منشأ المطعوم المعترف به من قبل منظمة الصحة العالمية”.
وتهدف المنصة، بحسب البلبيسي، الى حل مشكلة الاشخاص العالقين ولا يمكنهم السفر لبعض الدول بسبب مطعوم "سينوفارم” الصيني او "فايز الأميركي” او استرازينيكا البريطاني، لافتا الى "أن بإمكان الأردنيين المقيمين والعاملين في تلك الدول التسجيل على هذه المنصة عبر الموقع الالكتروني للوزارة”.
وجاء هذا القرار لحصر أعداد هذه الفئة تمهيداً لاتخاذ الاجراء المناسب لحل هذا الموضوع، حسبما أضاف البلبيسي الذي قال، ان "الأزمة السياسية بين دول العالم تدخلنا في تحديات صحية لم نكن نتوقعها رغم انها جائحة عالمية”.
وأشار الى "إعلان تحالف شركتي فايزر وبيونتك عن أن الجرعة الثالثة قد تكون مفيدة في غضون 6 إلى 12 شهرا بعد الجرعة الثانية، للحفاظ على أعلى مستويات الحماية، لكن لم يتم اعتمادها حتى الآن من هيئة الأغذية العالمية”.
وأكدت منظمة الصحة العالمية، مؤخرا أن اللقاحات المتاحة والمعتمدة حاليا فعالة ضد "كل متحورات فيروس كورونا”، لكنها دعت في الوقت نفسه إلى مواصلة التحرك "بحذر” في مواجهة "كوفيد19″، في وقت بدأت دول عدة بتخفيف الإجراءات الاحترازية التي فرضتها للحد من الوباء.
كما شددت المنظمة على "مراقبة تطور المتحورات بين السكان واتخاذ الإجراءات الأكثر ملاءمة لاحتوائها والسيطرة عليها. هذا هو المفتاح لمنعها من الخروج عن السيطرة”، بحسب ما نشرته عبر موقعها الرسمي الإلكتروني.
وفي مسعى منها لإعادة إطلاق العجلة السياحية الأردنية في الخارج، اقترح رئيس جمعية وكلاء السياحة والسفر نزار استيتية "توحيد بروتوكول صحي بين الدول خاص بالتعامل مع جائحة كورونا لتذليل الصعوبات التي قد تعرقل السياحة”.
وبعد أن وجه فيروس كورونا ضربة قاصمة لصناعة السفر والسياحة حول العالم، يرى استيتية أن "السياحة الآن في مرحلة تعاف بعد فتح أبوابها ضمن الشروط الصحية والاحترازية، غير أن تقييد حركة السائحين لأسباب غير معلومة ستضرب السياحة من جديد، وتقطع أرزاق العاملين الاردنيين في الخارج”.
أما تركيا التي تشهد حركة سياحية نشطة وتوافد أعداد سياحية كبيرة من الاردنيين فقد اعتمدت لقاحات (فايزر بيونتك، سبوتنيك في، سينوفاك)، غير انها تجري لكل سائح فحص (بي سي ار) بصرف النظر عن الشهادة الصحية للمطعوم قبل مغادرته بلاده، في حين تكتفي بعض الدول بالشهادات الصحية الأردنية للمطعوم.
وأشار استيتية الى أن الاتحاد الأوروبي اعترف بجميع المطاعيم باستثناء المطعومين الروسي والهندي، لافتا الى ان الجمعية لم تستلم أي شكاوى مفادها رفض طلب أي سائح اردني توجه الى أوروبا بسبب نوعية المطعوم.
وعلى العكس من ذلك تماما، فإن بعض الدول العربية وبخاصة السعودية رفضت مطاعيم معينة مثل الصيني واكتفت باللقاح الأميركي او البريطاني، بحسب استيتية الذي أشار الى ان "تأشيرات السفر الخاصة بالعمرة والحج حتى الآن غير واضحة”.
وحول أحقية ربط دول عربية وعالمية بين اللقاح وحرية التنقل ورفض دخول أي امواطن الى أراضيها بسبب نوعية المطعوم، أفاد الخبير في حقوق الانسان رياض الصبح لـ”الغد” أن "أي مطعوم تم اعتماده من قبل منظمة الصحة العالمية لا يجوز رفضه لأي سبب سواء كانت دوافعه سياسية او اقتصادية او اجتماعية، كما لا يجوز تقييد حرية التنقل بين البلدان”.
ووصف الصبح هذا الاجراء بـ”التعسفي ومخالف لمبادئ ومعايير حقوق الانسان”، لكنه استدرك قائلا، "في بعض الحالات يتم تقييد الحريات من بينها حرية التنقل بدواعي الصحة العامة شريطة ان تكون منسجمة مع منظمة الصحة العالمية لكن في حالة اللقاحات لا تشكل قيدا”.
الغد