نبيل عماري يكتب : الزرقاء والزمن الجميل...

الزرقاء في بدايات تكوينها هي خليط من الناس اللذين سكنوها طلب للرزق ومعظمهم من الجنود والعمال وبعض التجار وبعدها جاءت هجرة 1948 , كذا 1967 , وأول من سكنها قبيلة بني حسن المعروفة ومن ثم سكنها الشيشان والشركس كونها قريبة على " نهر الزرقاء " حيث اشتغلوا بالزراعة على ضفاف ذالك السيل وخاصة منظقة السخنة وفي العام ١٩٠٤ سكن الزرقاء المعانيه الذين جاءوا مع سكة الحديد وسكنوا مناطق شارع السعاده وشامل والامير رعد وسميت حارة المعانية القريبة من حارة العمامره , فالقادمون من القرى والبوادي جلبوا معهم خيراتهم والتي كانوا يزرعوها من قمح وعدس , فقد كانت الناس تغربل القمح وترسله إلى المطاحن , أو بالأحرى المطحنتان الرئيسيتان , مطحنة زعيتر اول الغويرية والمطحنة الوطنية في البلد وكان يتم توصيل الطحنة للبابور يوماً حافلاً , ويتم عن طريق استئجار حمار قبرصي يكون مربوط في موقع المطحنة ويتم وضع الشوال ابو خط احمر على ظهر الحمار وتنزيله لغايات الطحن ومن يذهب إلى المطحنة يجب ان يخرج معفراً وكأن الواحد خرج من كيس الطحين . أما ما يدفع لقاء الطحن إما نقود او صاع من القمح أما وقد انتهينا من الطحن يأتي العجن يهيًىء العجين في البيت بواسطة لقن نحاسي ويقرص ويوضع على سدر ويغطى حتى يتخمر وغالباً يعجن في الليل حتى يخبز صباحأ .ومن المخابز الموجودة في حارتنا والحارات القريبة فرن ابو شحادة وفرن ابو حامد وفرن ابو احمد ولكن الأقرب لنا فرن ابو شحادة حين تذهب الناس بعجناتهم للفرن ويبدأ الخبيز برق العجين على البلاطة وتنقيش الرغيف بالأصابع وادخالهم بالفرن ولا يختصر فرن ابو شحادة على الخبز بل على صواني الكفتة والجاج وغيرها وكذا سدور الكعك والمعمول المستطيلة وحلوى النواعم والتي كانت تباع بتعريفة . أما الكعك والمعمول البيتي يتم تنقيشه بالبيت وارساله للمخبز بعد لمة تنقيش من الأهل والأقارب والجيران . وكان ابو شحادة عندما يتكاثر الناس في المخبز يخرج الموهبة في الغناء بصوته الجميل يغني لفريد الأطرش ويضرب موال خاصة من اغنية اشتقتلك على روحي كان غرامك جاني، وأنا اللي زارعك والغير جاني خبر عن فرقتك ما يوم جاني، ولا مرســـال ردِّ ليَّ جواب للأعياد رائحة في الزرقاء وخاصة في حارتنا حين تشتم رائحة العيد من رائحة اليانسون والمحلب والمستكا اوغيرها من الحواج التي كانت توضع على عجينة الكعك والمعمول فتعبق بالحارة . وهنالك القراص والذي كان يعجن بالبيت مضافاَ له المنكهات من يانسون ومحلب وقزحة وسمسم وورس وغيرها ويدهن القالب بالسمن البلدي ويصار إلى ارساله للمخبز وبعدها يغمس بالحليب والمضاف له سمن بلدي ولكن هناك القليل من الناس يخبزون في بيتهم خاصة اذا كانوا من أصول فلاحية أو بدوية يستعملون الصاج او خبز الشراك والذي تهب رائحتة الزكية كل ارجاء حاكورتنا الخلفية حيث كنت اخذ رغيف ودهنه باللبنة مع قليل من الرشاد او الكزبرة وكاسة شاي فرط من شاي الفراشة وسكر قطر الله يازمن , إما اللذين ليس لديهم طحين او عجنات في البيت ولا يملكون الصاج ويفضلون خبزاً من نوع اخر يلجأون ألى فرن السوق , وخبز الكماج وكان يباع الرغيف منه بتعرفية او قرش ومن المخابز التي كانت مشهورة بالزرقاء او خبز السوق مخبز العمال , والوفاء وكانت جدتي تقول خبز السوق ما فيه بركة لأنه ان بات لا يعود صالحاً للأكل وكانت من عاداتها جمع فتات الخبز وتقول حيانة أو حوينة في هذا الزمن الذي نرمي به النعمة اي الخبز , ومن العادات الجميلة في مجتمعنا عادة اقتراض رغيف الخبز بين الجيران وكذلك ان وجدت قطعة خبز على الأرض ترفع وتباس وتسمى نعمة , المخابز لم يقتصر صناعتها للخبز فقط مايسمى الأفرنجي بل دخل كعك القرشلة وكعك ابو حرف S وكعك الأصابع وحلويات الكعك بعجوة وما تسمى نواعم والكيكس وما يسمى في الوقت الحالي الكب كيك والكيكس الحلبي المزركش بالكريمة الناطف وجوز الهند الملون وكذا الكعك المسمسم القدسي معه البيض المشوي والزعتر والذي سارع ابو شحادة لمجراة المخابز المنافسة حين اصبح يعمل بعض من الكعك بالأضافة إلى الخبيز للناس ولكن دور فرن ابو شحادة وغيرها من الأفران تراجع حين دخل فرن الغاز العربي البيوت وكذا اعتماد الناس على المخابز الكبرى وقلة انتاج القمح البلدي وعزوف الناس عن الزراعة بعد ان غزت اراضينا غابات الأسمنت تحول معظم الناس للقمح الأمريكي والذي ليس له حيل حسب قول جدتي ,,,,,,, يتبع
بالصورة شارع الجيش وكنيسة الروم الكاثوليك الحي الجنوبي وجامع الشيشان والعام خمسينات القرن الماضي