إضراب المعلمين «مكانك سر» ...
«القدس العربي»: بسام البدارين
بدأت تتكوم في الحديقة الخلفية لأزمة نقابة المعلمين في الأردن مشاريع اتجاهات تحريضية تحاول التأسيس لمواجهة او صدام محتمل مجدداً مع جماعة الإخوان المسلمين وبآلية عبر عنها الإعلام الرسمي خلال الأيام الأربعة الأخيرة وبصورة مغرقة في التحريض.
بعد الأزمة التي نتجت وتفرخت الخميس الماضي عن تطبيق سيناريو الإغلاق الأمني الخشن لمنع المعلمين من الاعتصام على الدوار الرابع تفرغت بعض النخب والمفاصل في الحكومة والسلطة لمهمة تسويق اتهام نقابة المعلمين بأجندة سياسية. ويظهر هذا الاتجاه الرسمي مجدداً جملة مراهقة في الخطاب والدلالة تحاول أولاً تفسير وتبرير إخفاق السيناريو الأمني. وثانياً الادعاء بأن المواجهة ليست مع مطلب نقابي ومهني بقدر ما هي مع غرفة التحكم في جماعة الإخوان المسلمين.
الاتهامات هنا كانت بالجملة اعتباراً من السبت الماضي. لكن لا يبدو الشارع الاًردني فعلاً مقتنعاً بها.
كل ما يتعلق به الأمر أن قيادة الجماعة الإخوانية او الحركة الإسلامية اعتذرت عن التدخل للضغط على نقابة المعلمين فتم إنعاش ذاكرة الجميع بسلسلة من الاتهامات لها مع ان الحجة في الاعتذار هنا تتعلق بصعوبة تدخل تنظيم سياسي بنقابة مهنية إلا إذا كان القصد زرع مواجهة بين شرائح المعلمين المتعددة وبين نخبتهم التي تنتمي إلى التيار الإسلامي.
جرت اتصالات لأغراض الضغط على الإسلاميين لوقف حراك لم يتقرر بمؤسساتهم الداخلية وبدون ان تحاول الحكومة تذكير أكبر أحزاب المعارضة في البلاد بأنه موجود أصلاً ويستوجب الجلوس او الحوار على قضايا وملفات عالقة عدة. وتردد هنا ان عضو مجلس النواب القريب من الإسلاميين صالح العرموطي طالبهم بالتدخل وتردد ان عميد كتلة الاصلاح وزير التربية والتعليم الاسبق الدكتور عبد الله العكايلة لديه ايضاً وجهة نظر في مسألة أزمة المعلمين.
فقد وجد من يشغل بصفة مرحلية موقع المراقب العام لجماعة الإخوان الشيخ عبد الحميد الذنيبات نفسه وسط موجات الضغوط والى جانبه يتعرض للضغط أيضاً الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة. وأخفق الشيخان الذنيبات والعضايلة في محاولة إبلاغ السلطات بانهما ليسا في موقع التأثير أصلاً في مسألة تتعلق بمطلب معيشي لأكثر من مئة الف معلم.
وأخفقا أيضاً في إقناع مؤسسات التنظيم والحزب حيث قرارات تتخذ بالشورى عادةً في تحمل كلفة التدخل لصالح الحكومة هنا مما سيعني الخسارة على جبهة شريحة عملاقة من المواطنين. فوجهة نظر التيار الإسلامي كانت تؤشر على السؤال التالي: على أي أساس نتدخل ونضغط على المعلمين لنزع شوكة من إصبع الحكومة التي لا يتحاور معنا باسمها أصغر موظف فيها؟
طبعاً سبق للشيخ العضايلة ان ابلغ «القدس العربي» بأن آخر حوار او لقاء حصل مع الحكومة كان في عهد وزير الداخلية الأسبق سمير مبيضين. ولا أحد في الواجهة يتحاور معنا؟… هذا ما يقوله رموز التيار الإسلامي الأردني منذ أكثر من عامين. وعليه يصبح السؤال لماذا يجازف الإسلاميون بحضورهم وسط شريحة المعلمين وعائلاتهم عبر التدخل لصالح حكومة انتجت سياساتها أصلاً الأزمة؟
طبعاً اثناء المواجهة بعد الخميس الماضي الذي كان من الأيام الصعبة جداً لاحظت البوصلة الرسمية في غرفة العمليات ما تقول إنه «انذار مبكر» يميل إلى ترجيح كفة دعم الإسلاميين لحراك المعلمين حيث بدا أن منابر التيار الإسلامي ومنصاته الإعلامية جاهزة وبكثافة لأكبر جملة تضامن مع المعلمين وبالتالي هجوم معاكس على موقف الحكومة من قصة علاوتهم.
في الأثناء قرر المنسوب الأمني وحتى السياسي اعتبار اللغة التي تحدث بها نائب نقيب المعلمين وسط الاعتصام عصر الخميس الماضي ناصر نواصره خشنة وتهديدية عندما منح الحكومة مهلة لنصف ساعة لفتح الدوار الرابع المغلق. تلك رواية السلطة لمستوى الاستفزاز الذي شعرت به الخميس الماضي ودفعها للتصرف امنياً. وهي رواية تسقط من الاعتبار ان المجتمع برمته لا يمكنه معارضة تحسين مستوى معيشة المعلم.
وتسقط من الاعتبار أن النواصرة تحديداً محسوب على الحركة الإخوانية صحيح لكنه في الموقف على يسار مجلس النقابة ويفتقد بوضوح لجملة تكتيكية في الإدارة بدلالة تسرعه في إطلاق مهلة نصف ساعة غير منطقية ثم تسرعه لاحقاً بإعلان الإضراب المفتوح مع أن الإضرابات هي الخطوة الأخيرة في التصعيد وتعلن بالقطعة والتدريج كما لاحظ الوزير السابق والمسيس محمد داوودية. في المقابل رواية نقابة المعلمين لمسار الاحداث تختلف ورواية الإخوان المسلمين ايضاً تختلف عن الروايتين، الأمر الذي يعني ضمنياً بان أخونة حراك المعلمين على النحو الذي حصل وبصورة ملموسة له وظيفة أو وظائف اهمها التغطية على فشل الحكومة في ادارة هذا الملف.
ولاحقاً التغطية ايضاً على إخفاق مطبخ القرار في استشعار الحساسية التي دخلت فيها شريحة المعلمين قبل ستة أيام من موعد الاعتصام المقرر بعدما ألهبت وفاة نقيبهم الدكتور أحمد الحجايا المفجعة بحادث سير مشاعرهم وساهمت في توحيد موقفهم من قصة العلاوة. وبالنتيجة من الصعب تحميل الإخوان المسلمين حتى وان كان لهم دور خلف الستارة مسؤولية بوصلة الحكومة النائمة أو مسؤولية خمول الحلقات الإدارية التي أوصلت الجميع لأزمة متشعبة ومعقدة اليوم.