“أطباء بلا أجر” .. تصعيد قانوني لنيل حقوقهم العمالية
محمد الكيالي ورانيا الصرايرة
عمان – شكل التقرير الصادر عن المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش ايبرت”، دفعة قوية للأطباء المقيمين العاملين "بدون أجر” في عدد من مستشفيات القطاعين العام والخاص.
وكان التقرير الذي صدر أول من أمس، طالب الحكومة والجهات المعنية كالمجلس الطبي الأردني، بالتحرك سريعا لإلغاء برنامج "غير مدفوع الأجر” الذي يخضع له الأطباء المقيمون في المستشفيات، ووقف الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء الأطباء، من ساعات عمل طويلة وعدم دفع أجور لهم، وعدم تمتعهم بالحمايات الاجتماعية أو حصولهم على الإجازات، وذلك لوقف تسرب الكوادر الطبية، وهجرتهم إلى خارج المملكة.
واعتبر التقرير أن هناك مستشفيات تعامل الأطباء المقيمين وفق نظام "السخرة”، حيث أن قلة منهم يحصلون على 260 ديناراً وهو الحد الأدنى للأجور ضمن برنامج التشغيل والتدريب في وزارة العمل.
وكان الأطباء المقيمون العاملون بلا أجر في القطاعين العام والخاص أطلقوا عدة حملات خلال العامين الماضي والحالي، بدأت عبر حملة "#راتبي-حقي” وصولا إلى حملة "#هجرتونا” التي تعد حملة تهدف إلى وقف تغول إدارات مستشفيات على حقوق هؤلاء.
وقال التقرير، إن غالبية الأطباء المقيمين يعملون بلا أجر، وقلة منهم يحصلون على 260 دينارا، الحد الأدنى للأجور، وذلك ضمن برنامج التشغيل والتدريب بوزارة العمل.
وأكد ضرورة تحديد الوصف الوظيفي للطبيب المقيم، من حيث المهام والواجبات والحقوق، وتفصيلها في كل سنة من سنوات الإقامة، وزيادة عدد مقاعد الإقامة مدفوعة الأجر، بما يتوافق مع أعداد خريجي كليات الطب سنوياً، وشمولهم بالحمايات الاجتماعية كالضمان الاجتماعي، وتطوير أدوات إنفاذ التشريعات العمالية لوضع حد للتجاوزات، بما يمكنهم من التمتع بظروف عمل لائقة.
ولفت إلى أن أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها هذه الفئة من الأطباء هي: ساعات العمل الطويلة، التي تتجاوز أحيانا الـ100 ساعة أسبوعيا دون أي أجر، وعدم شمول أغلبهم بالحمايات الاجتماعية، وضغط العمل الذي يتعرضون له يوميا، والمناوبات التي تصل إلى 38 ساعة متواصلة، وعدم حصولهم على إجازاتهم.
وتكمن مشكلة هذه القضية، في تعدد برامج الإقامة في مستشفيات القطاعين العام والخاص والخدمات الطبية، إذ تقدم مؤسسات طبية خاصة برامج الإقامة، إما دون أجر أو بأجر قد لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور، وبعضها يشترط على الطبيب بأن يدفع رسوماً سنوية مقابل تدريبه تراوح بين الـ1200 والـ3000 دينار، على اعتبار بأنه متدرب وليس طبيبا عاملا.
وتنقسم برامج الإقامة إلى: الإقامة مدفوعة الأجر للأطباء المعينين بعقود في مستشفيات وزارة الصحة وبعض المستشفيات الخاصة، وغير مدفوعة الأجر، وهو المشكلة الكبرى لدى الأطباء المقيمين، فالأطباء عند تخرجهم، غالباً لا يجدون مقاعد إقامة مدفوعة الأجر متوافرة في المستشفيات عند اجتيازهم لسنة الامتياز لقلة عددها، فيلجأون لبرنامج "غير المدفوع” الذي تطرحه المستشفيات، استغلالاً لحاجة الأطباء للاختصاص دون إعطائهم أجرا.
ويراوح عدد مقاعد الإقامة بين الـ1100 والـ1200 مقعد سنويا، في حين يبلغ عدد خريجي كليات الطب نحو الـ2500 طالب سنويا، ما يعتبر جزءا من تفاقم المشكلة، إذ أن عدد المقاعد مدفوعة الأجر التي تتوافر سنوياً لا تستوعب هذا الكم الكبير من الخريجين، لذلك يلجأ الطلبة ممن لم يحظوا بمقعد إقامة مدفوع الأجر إلى برنامج "غير المدفوع” بصفته الخيار الوحيد أمامهم.
وتخلو بيانات نقابة الأطباء ووزارة الصحة من أرقام تحصر عدد الأطباء المقيمين في الأردن بنظام "غير مدفوع الأجر”، في حين تعتقد الحملة الوطنية للدفاع عن حقوق الأطباء المقيمين "هجّرتونا”، بأن نحو 65 % من الأطباء بنظام "غير مدفوع الأجر” موجودين في الخدمات الطبية، و25 % في المستشفيات الجامعية،
و10 % في وزارة الصحة، و5 % في المستشفيات الخاصة.
ويصل عدد المستشفيات في المملكة إلى 117 مستشفى، منها 69 في القطاع الخاص، و31 في القطاع الحكومي، و15 مستشفى عسكريا، ومستشفيين جامعيين اثنين.
ومما فاقم هذه القضية أيضاً؛ عدم وجود تشريع أو نظام خاص من المجلس الطبي ينظّم عمل هؤلاء الأطباء من حيث ساعات دوامهم والإجازات، وتنظيم علاقتهم ببرامج الإقامة، وتحديد الوصف الوظيفي لهم في كل سنة من سنوات إقامتهم، وتحديد المهام والواجبات الموكلة إليهم، وفي الوقت نفسه تحديد حقوقهم كافة.
وأكد الناطق الإعلامي باسم حملة "#هجرتونا”، الدكتور طارق الخطيب، أن الحملة التقت رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس الأعيان العين ياسين الحسبان ووضعته بصورة مطالبها، حيث ستعمل خلال الفترة المقبلة وبعد إجازة عيد الأضحى المبارك، بترتيب لقاءات أخرى.
وبين الخطيب، أن الحملة ستلتقي باللجنة الصحية في مجلس النواب، بعد عطلة العيد، لافتا إلى أن الحملة تتبع المسارات القانونية، حاليا، من أجل انتزاع حقوقها.
وأوضح أن هناك عدة خطوات سيتم اللجوء إليها في الفترة المقبلة، مشددا على أنه باتت هناك قناعات لدى الكثيرين بأن حقوق أطباء "Unpaid” شرعية ومطلبية، خاصة وأن مقاعد الإقامة دون أجر حاليا تقدر بحوالي 35 % من أعداد المقيمين، تعادل 400 مقعد سنويا من أصل 1200.
فيما اعتبر نائب رئيس لجنة ممارسة صلاحيات ومهمات مجلس النقابة، الدكتور محمد رسول الطراونة، أن النقابة تقف بقوة إلى جانب هذه الفئة من الأطباء، معتبرا أن هناك ظلما واقعا عليهم.
ولفت الطراونة في تصريح لـ "الغد”، إلى أن اللجنة النقابية طالبت الحكومة بتحديد الوصف الوظيفي لأطباء الإقامة من حيث مهامهم وواجباتهم وبيان حقوقهم كاملة في كل سنوات الإقامة.
وأوضح أن اللجنة دعت إلى زيادة عدد مقاعد الإقامة مدفوعة الأجر بما يتوافق مع أعداد خريجي كليات الطب سنوياً، وشمول أطباء الإقامة بالحمايات الاجتماعية كالضمان الاجتماعي.
وأكد الطراونة أنه وإن لم تتمكن الجهات المعنية من إنصاف هذه الفئة، فإن عليها إلغاء العمل ببرنامج (Unpaid) معتبرا إياه نظاما ظالما وغير منصف.
وفي هذا السياق، بين نقيب الأطباء الأسبق، الدكتور أحمد العرموطي، أن هناك ظلما كبيرا يتعرض له المئات من الأطباء المقيمين من خلال عقود الإذعان التي يضطرون الى توقيعها دون حصولهم على رواتب شهرية مقابل عملهم الطبي وحصولهم على الاختصاص وهو ما يسمى نظام الاقامة غير مدفوع الأجر.
وشدد العرموطي، على أن البعض من أطباء الإقامة، يتعرض لظلم آخر حيث "يتم تعيينه براتب شهري بحوالي 220 دينارا شهريا في وزارة الصحة مخالفين بذلك نظام الخدمة المدنية”.
واعتبر أن مثل هذا العمل "يعد مخالفا للقانون والأعراف المهنية الطبية ويعتبر شكلا من أشكال العبودية والاستغلال البشع لهؤلاء الأطباء”.
وقال العرموطي، إنه آن الأوان لرفع الظلم عن هؤلاء الاطباء وإعطائهم أجورهم التي يستحقونها، مشددا على أن على نقابة الأطباء أن تساندهم في مطلبهم الشرعي والقانوني.
ولفت إلى أن على وزارة الصحة إصلاح هذا الخلل واحترام إنسانية هؤلاء الأطباء وتقدير الجهود التي يبذلونها اثناء عملهم، كما أن من واجب الأطراف جميعها بما فيها القطاع الخاص الالتزام بالأجور التي حددتها النقابة بل وتعويضهم عن السنوات السابقة.
وطالب العرموطي، نقابة المحامين والنقابات المهنية والعمالية الاخرى ومؤسسات المجتمع المدني بدعم مطالب هؤلاء الاطباء الذين وقفوا مع زملائهم في وجه فيروس كورونا.
يذكر أن عدد طلاب الطب على مقاعد الدراسة العام الماضي، بلغ نحو 21 ألف طالب، منهم 10 آلاف يدرسون في الجامعات الأردنية، و11 ألفاً يدرسون الطب خارج الأردن، وهي أرقام كبيرة مقارنة بحجم التعيينات، فيما يصل عدد المستشفيات في المملكة إلى 117، منها 69 في القطاع الخاص، و31 في القطاع الحكومي ومستشفيين جامعيين اثنين.
الغد