الحروب الدينية في أوروبا استمرت قرناً وانتهت .. فمتى نفيق نحن ..؟!

الحروب الدينية في أوروبا..دامت قرنا ونيفا..ولكن في النهاية استفاق الناس وانتهت الحروب...
فمتى نفيق نحن...؟!!!

في الواقع هذه حقيقة تاريخية لا يجادل فيها أحد...وهي أن المسيحيين في أوروبا سفكوا دماءهم وقتلوا أنفسهم...وكثرت منصات الإعدام...واشتعلت بينهم حروب طاحنة...استمرت هذه المأساة أكثر من قرن من الزمان...

كل هذا بسبب التعصب الديني الأهوج والأعمى...

حتى قال الفيلسوف الفرنسي الكبير فولتير...كما في كتابه(رسالة في التسامح)ص22.

«نحن نعلم كم هو باهض الثمن الذي دفع منذ أن راح المسيحيون يتشاحنون ويتقاتلون بسبب العقيدة...فمنذ القرن الرابع وحتى أيامنا هذه ما فتئت الدماء تسفك بغزارة إنْ على المحارق ومنصات الإعدام وإنْ في ساحات الوغى».

فالتعصب الديني...وإقصاء الآخر...والإرهاب الفكري...كل هذا ليس مقتصرا على دين بعينه...

بل متى وُجدت مسبباته من الإنغلاق الفكري والجهل والهوى....فشا وانتشر بغض النظر عن طبيعة الدين ونوعية المعتقد...

 فالتعصب الديني داء خطير للغاية...وهو بمثابة سرطان خبيث متى ما غزا أمة من الأمم حلّ فيها الدمار والخراب...واقتتل بسببه الأصحاب والأحباب...

ولذا من الواجب الإنساني والديني والعقلي في آن واحد محاربة هذا الداء الخطير...ومكافحة أسبابه بكل قوة وإصرار....

وهذا ما حذّرت منه جميع الأديان في نصوصها المقدسة....وحذّر منه خطره كل الفلاسفة والعلماء والكتاب الأحرار....

والإسلام في هذا المضمار له الريادة في محاربة هذا الداء الخبيث....ونصوصه المقدسة في هذا الباب كثيرة مستفيضة....لا يسع هذا المقال لسردها والحديث حولها...

ولكن يكفينا في هذا المقال آيتان من القرآن...أحداهما تتحدث عن طبيعة العلاقة الصحيّة بين المسلمين بعضهم ببعض...والأخرى تشرح طبيعة العلاقة الصحيّة مع الآخرين من غير المسلمين على اختلاف وتنوع أديانهم وأجناسهم ومعتقداتهم.....

أما الآية الأولى فتقول...«ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».

فهذه الآية صريحة الدلالة في النهي عن أن يتنازع ويفترق المسلمون فيما بينهم...محذرة تلك الآية الكريمة من العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك التنازع من الفشل والتناحر... وذهاب القوة والهيبة للمجتمع الإسلامي بأسره....

وأما الآية الثانية فتقول...«لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».

وأما هذه الآية فتبين بكل وضوح وصراحة طبيعة العلاقة التي يجب أن يتعامل بها المسلم مع غير المسلم...وهي علاقة قائمة على المحبة والسلم والعدل والإحسان والبر بالآخرين....

ولعل من أجمل ما في الآية التعبير بلفظة (البر)...تلك الكلمة الجامعة لكل معاني الخير والسلام....والتي جاءت في نصوص كثيرة من القرآن والحديث النبوي...في استعمالها مع الأبوين....

فإذن علاقة المسلم بغير المسلم المسالم...من منظور قرآني أو إسلامي هي علاقة في قمة الرقي والسلام والإحسان....إنها باختصار علاقة البر بكل ما تحمل كلمة البر من معان رفيعة سامية....

وهنا لطيفة أخرى في هذه الآية نبّه لها جماعة من أهل العلم...منهم العلامة ابن العربي المالكي...وهي أنّ معنى (المقسطين)...ليس من العدل....فالعدل واجب مع الآخر مطلقا ولو كان محاربا لك....ولكن هذه الكلمة مأخوذة من القسط...أي أن تعطي أيها المسلم أخاك الإنسان غير المسلم المسالم لك قسطا من المال على وجه البر به والصلة له....وهذا المعنى من أرقى ما يمكن أن يصل له إنسان أو مذهب أو دين.....!!!!

ولكن مع كل الأسف...فإن واقع المسلمين مناقض لكل ما سبق مناقضة تامة....فالفرقة بين المسلمين في أخطر ما يمكن أن تكون....وعلاقتهم بالآخر ومعه فاشلة في كثير من الأحيان...وفي عديد من الجوانب....

كل هذا سببه التعصب الديني ذلك الداء الذي أصاب المسلمين منذ فترة طويلة جدا....حتى غدا له مُنظِّروه وعلماؤه...وأضحى جزءا من تراثنا الفكري والعلمي نُعلّمه لأبنائنا في المدارس والجامعات وفي المساجد ومراكز البحث والعلم....!!!!

استفاقت أوروبا مما كانت فيه من الجهل والتعصب الديني...فنهضت وتقدمت وسادت....

ونحن مع الأسف لم نفق أبدا...فتأخرنا وهزمنا وفشلنا وذهبت ريحنا.. وزالت هيبتنا.... وصرنا في ذيل الشعوب فكرا وعلما تقدما وحضارة....فنحن ومنذ قرون في شلل فكري وحضاري ليس لدينا أو لنا أي إسهامات حقيقية في حضارة العالم البتة....!!!!!

لقد صدق الفيلسوف الكبير فولتير حينما قال..وكأنه يصف واقعنا اليوم...
«العقل البشري..إذا صحا من غيبوبته..أخذه الذهول إزاء ضروب القسوة وأشكال العنف التي دفعه التعصب الديني إليها...».

إذن ما هو الحل لكي يتخلص المسلمون مما هم فيه من تعصب ديني وطائفية وتخلف وجهل....وكيف يكون تطبيقه على أرض الواقع....؟!!!

هذا سؤال كبير بحجم المأساة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي في هذا الزمان بل ومنذ زمان طويل...!!!

ويحتاج لجواب شاف كاف من فلاسفة ومفكري الأمة...فأين هم يا ترى....؟!!!!!!