باحث يكشف عن تداعيات عدة لأزمة لبنان الداخلية على إسرائيل
ينبه باحث إسرائيلي في معهد السياسات والاستراتيجيا في مركز هرتزليا المتعدد المجالات من أن أزمة لبنان الداخلية تنطوي على تهديد استراتيجي على إسرائيل كونها من الممكن أن تشكل "دولة فاشلة” أخرى في الحدود الشمالية علاوة على سورية.
وقال الباحث أودي أفينطال إنه منذ قيام التظاهرات الكبيرة في لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2019 على خلفية الأزمة الاقتصادية الصعبة في الدولة، كان من الواضح أن الأرقام الاقتصادية التي تعكس التدهور في الوضع في لبنان تحولت إلى ظواهر ملموسة تكشف تفكك البنى التحتية ومؤسسات الدولة اللبنانية، منوها أنه على الصعيد الاقتصادي، تهاوت الليرة اللبنانية وخسرت 90% من قيمتها خلال العامين الأخيرين، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد نحو 40% بين 2018 و2020، والدين الخارجي للبنان الذي يُعتبر من أكبر الديون في العالم لا يزال يكبر، ووصل إلى 170% من الناتج الوطني العام.
ويقول إن الدولة اللبنانية واقعة في عجز وأن منظومة المصارف غارقة في أزمة سيولة ومهددة بالانهيار. ويشير أنه على هذه الخلفية ترتفع معدلات الفقر بسرعة ومن المتوقع أن يصبح 75% من السكان تحت خط الفقر ويتابع "الشلل السياسي الكامل وعدم وجود حكومة فاعلة قادرة على تجنيد قروض خارجية لإنقاذ لبنان من الحفرة التي وقع فيها يزيدان الأزمة تفاقما. منذ الانتخابات في سنة 2018 قامت حكومات في لبنان بمهماتها الكاملة لمدة 16 شهرا في مقابل 23 شهرا شهدت حكومات انتقالية في ظل اتصالات سياسية لا نهاية لها لتأليف حكومة جديدة”، موضحا أنه لا يظهر في الأفق تغير سياسي في لبنان بسبب إصرار النخب الطائفية الفاسدة على عدم التنازل عن تقاسُم السلطة التي تعتبرها مصلحة وجودية من جهة، ومن جهة أُخرى عجزها عن إدارة شؤون الدولة بصورة ناجعة من خلال النظام الطائفي الحالي.
وبرأيه، يعيق هذا الواقع المعقد قيام نظام حكم بديل غير طائفي يقوم بحل المشكلات الاقتصادية الضخمة التي يعانيها لبنان ويؤدي إلى تغيير ملموس في نوعية حياة المواطنين التي تتدهور.
تداعيات على إسرائيل
ويؤكد الباحث الإسرائيلي أن الأزمة العميقة في لبنان، والتي ستزداد تفاقما، هي مبدئيا أخبار سيئة لإسرائيل منوها أن مرحلة عدم الاستقرار التي تدخل فيها الدولة اللبنانية وانهيار بناها التحتية ومؤسساتها يخلق بالنسبة إلى إسرائيل دولة فاشلة أُخرى في الشمال إلى جانب سورية.
وعلى غرار رؤية معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب يرى أن تفكك الدولة اللبنانية سيكون له تداعيات استراتيجية سلبية على إسرائيل على الصعيد السياسي- الأمني. ويرى أن تعاظُم سيطرة حزب الله على لبنان في المدى المتوسط. وحزب الله هو الكيان الأكثر تنظيما في لبنان، والذي يحظى بدعم دولة إقليمية عظمى هيس إيران التي تقدم له دعما اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ويتابع "لدى حزب الله شبكة خدمات واسعة يقدمها إلى السكان الشيعة في الجنوب اللبناني تعمل بالموازاة مع مؤسسات الدولة، وخصوصا عندما تتوقف هذه المؤسسات عن العمل (خلال أزمة الكورونا برز جهاز صحي بديل شغله حزب الله).
تسلح حزب الله
ويقول عن ازدياد النفوذ الإيراني في لبنان: لقد أثبتت إيران في الماضي أنها تعرف كيف تستغل أوقات الأزمات في لبنان لتوسيع نفوذها في الدول ويضيف "مثلا بعد حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006) أرسلت مساعدة إنسانية سريعة إلى القرى الجنوبية (أكياس من الأرز، وإعادة بناء البنى التحتية التي تضررت خلال الحرب وغيرها). الآن أيضا المساعدة الإيرانية مطروحة، ومن المعقول أن تسبق إيران المنظومة الدولية التي تتردد في المشاركة في ترميم لبنان ما دام غارقا في أزمة سياسية ولم تؤلف حكومة في بيروت. الأمين العام لحزب الله نصر الله سبق أن أعلن عن عدة مرات إمكان وصول ناقلات نفط إيرانية إلى لبنان”.
ويعتقد الباحث الإسرائيلي أن استمرار وتسريع تسلح حزب الله – ازدياد الوجود والنفوذ الإيراني إلى جانب ضعف آليات الرقابة والسيطرة للدولة اللبنانية- من شأنه أن يخلق بيئة مثالية تمنح الحزب حرية العمل لمواصلة بناء قوته بدعم من إيران. بناء على ذلك يرجح افينتال أن يتواصل ويتسارع مشروع بناء القوة العسكرية للحزب بمساعدة إيران، من خلال التشديد على إنتاج صواريخ دقيقة لضرب إسرائيل وقدرات جوية متطورة وغيرها.
كما يرى أن قيودا على حزب الله ستضطره إلى التركيز على التحديات الداخلية ومواجهة الانتقادات الداخلية والدولية بشأن دوره في تفاقُم الأزمة في الدولة وضد السلاح الذي يحتفظ به خارج سيطرتها. ويرجح أيضا أن تفرض على حزب الله قيود بشأن كل ما له علاقة بتحدي إسرائيل على الحدود في إطار معادلات مختلفة، والتدخل في أوقات التصعيد، أو الاحتكاك بين إسرائيل و”حماس” وإيران، وبالتأكيد الدخول في مواجهة شاملة معها.
احتمالات الانفجار
لكن إمكان الانفجار يزداد – حزب الله سيُظهر حساسية شديدة إزاء محاولة إسرائيل استغلال الوضع لضرب قدراته العسكرية، طبقا لرأي الباحث الإسرائيلي الذي يقول إنه في هذه الظروف يزداد إمكان التصعيد في أعقاب عمليات إسرائيلية استباقية حتى لو كانت محدودة جدا.
وينبه لمخاطر تآكل الردع الإسرائيلي بالقول إنه كلما تسارع تفكك الدولة اللبنانية كلما تعين على إسرائيل أن تأخذ في اعتبارها أن تأثير الردع الذي ينطوي عليه ضرب البنى التحتية للدولة اللبنانية سيتآكل. ويمضي محذرا "علاوة على ذلك، في ضوء الأزمة الحالية في لبنان من المتوقع أن تنخفض درجة التساهل الدولي إزاء ضرب البنى التحتية بصورة كبيرة، وهو ما يفرض على إسرائيل أن تفحص من جديد مدى صلاحية فكرة تدمير لبنان في إطار حرب مستقبلية”.