الفوسفات.. عدّت

سلامة الدرعاوي

لم تتعرض شركة لنقد وتجريح واعتداء على قرارها وتسلّط واستقواء كما تعرضت له شركة مناجم الفوسفات خلال السنين الماضية، حيث نالها من التدخلات ما أثر على أنشطتها المختلفة وأدى في كثير من المراحل إلى تدهور حقيقي لأوضاعها الماليّة وبلوغها لخسائر فادحة كادت تهوي بالشركة التي تعتبر أحد أبرز دعائم الاقتصاد الوطنيّ والمورّد الأكبر للعملات الأجنبية.
لكن الشركة منذ سنين قليلة بدأت ثورة إصلاح داخلية عميقة لإعادة هيكلة أعمالها ومعالجة التشوّهات المزمنة في هيكلها الإداري من جهة، والمعيقات الإنتاجية والتسويقيّة من جهة أخرى.
كلمة رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور محمد الذنيبات التي ألقاها في حفل توقيع إنشاء مصنع غسل الفوسفات بقيمة 85 مليون دولار، تبين وبكل وضوح ثقل وحجم المسؤولية والتحديات التي واجهت العملية الإصلاحية للشركة، والإجراءات الخارجيّة العميقة التي أخذتها إدارة الشركة في السنوات القليلة الماضية، لإعادتها على السكة الإنتاجية والتسويقيّة الصحيحة، وأخذ مكانتها الحقيقية بين كبريات الشركات العالميّة في إنتاج الفوسفات، لا بل الانتقال لمرحلة إنتاجية جديدة بالاستثمار في القطاعات الصناعيّة المساندة والمنتجة لصناعات جديدة بجانب الفوسفات الخام.
الإفصاح الأخير للشركة في بورصة عمان والذي أظهر عن نتائج النصف الأول 2021 وبربح قياسي بلغ 90 مليون دينار صافي بعد الضريبة، مؤشر اقتصاديّ مهم على ان عمليات شركة الفوسفات عادت بقوة للسوق العالميّة مدفوعة بعوامل ارتفاع الطلب الخارجيّ وارتفاع الأسعار، مصحوبا بإعادة هيكلة جريئة واستثمارات نوعية مساندة للإنتاج والاستثمار.
إدارة الشركة قاومت كُلّ أشكال التدخلات العشوائية في قراراتها، واتبعت أساليب الإدارة الرشيدة والحاكمية في توجهاتها الاقتصاديّة، وكانت قراراتها الإصلاحية مبنية على إزالة كُلّ أشكال التشوّهات وشبهات الفساد في أعمالها، وإغلاق كُلّ باب تأتي منه الإشاعات والضجيج الذي يؤثر على سير أعمال الشركة، فكانت المواجهة الأولى بإزالة مفهوم التلزيم في عطاءات التعدين للشركة والتي كانت تحال على شركتين فقط بحجم أعمال ناهز 1.7 مليار دينار في عشر سنوات فقط، وبات التعدين يطرح بواسطة عطاءات تحكمها الشفافية والقانون، مما سمح بتوسيع قاعدة المشاركين في التعدين وتأهيل عشر شركات جديدة، مما كان له الأثر الكبير في رفع إنتاجية الشركة، وخروج أعمالها من الدائرة الضيقة والقيل والقال.
اليوم تعيش صناعة الأسمدة في العالم فترة تجارية مزدهرة مدعومة بأسعار قوية لكل منتجات الفوسفات، حيث قفزت الأسعار في بعض المواد إلى أكثر من 100 %،
وهذا يعزز ملاءة الشركة الماليّة وقدرتها على رفد الاقتصاد الوطنيّ بالعملات الصعبة ولذلك لا بد من الحكومة وراسم السياسة الاقتصاديّة ان يقوم بالتقاط هذه الفرصة والبناء عليها في دعم توجّهات الشركات وأهدافها المستقبلية بالتوسع في بناء مصانع أسمدة ذات قيمة مضافة أعلى، وتنويع في مصادر الدخل وتشغيل الآلاف من المهندسين والعمال في صناعات واعدة وان تكون منطقة الاستثمار هذه بمثابة وادي الأسمدة، وتكون نواة لاستقطاب المستثمرين الصناعيين إلى هذه المنطقة وتوطين صناعة الاسمدة في الأردن لتكون مركزاً إقليميا لها في المنطقة، والبدء بإنشاء مظلة استثماريّة لكل شركات الاسمدة في الأردن للبدء بتشكيل تحالف استثماريّ جديد يضاف إليه كبار المستثمرين العالميين والعرب أصحاب الخبرة الواسعة في هذا المضمار.
الفرصة متاحة وعلى الحكومة اغتنامها ودعم شركة الفوسفات التي عادت بقوة إلى المشهد الاقتصاديّ في الدولة، فاستغلال الفرصة الراهنة بوجود إدارة حصيفة ورشيدة في الفوسفات ستكون لها انعكاسات إيجابيّة كبيرة على الاقتصاد الوطنيّ وقطاعاته المختلفة.