لبناني يستذكر 17 ساعة تحت ركام انفجار بيروت
بيروت – الأناضول: بين ألم الفاجعة ورؤية الموت، وأمل النجاة والعودة إلى الحياة، عاش الشاب اللبناني عصام عطا، أكثر من 17 ساعة تحت ركام انفجار مرفأ بيروت، قبل عام من الآن، وهي ساعات لا يمكن أن ينساها.
وفي 4 أغسطس/آب 2020، شهد مرفأ بيروت انفجارا ضخما أسفر عن مقتل أكثر من 217 شخصاً وإصابة 7000 بجروح، وتشريد 300 ألف، فضلا عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
جرحى الانفجار تجاوز عددهم 6500 شخصًا، وتنوّعت إصاباتهم بين الخفيفة، المتوسّطة والحرجة، كما بقي عدد منهم يعاني من إعاقة ما.
عصام عطا كان أحد هؤلاء الجرحى وتحدّث عن اللحظات الأخيرة، ما قبل الانفجار، قائلًا: «كنت في منزلي (طابق أرضي) وبدأت أسمع أصوات انفجارات خافتة، فقرّرت أن أصعد إلى الطابق الأوّل من المبنى، حيث يتواجد أخي عبدو وصديقه شادي».
«وما لبثت أن خرجتُ من المنزل، حتّى دوى صوت انفجار قوي، وخرق الزجاج المتطاير جسدي، وتدمّر المبنى بالكامل» هكذا أكمل حكايته.
بعد 5 دقائق من الانفجار، استعاد عصام وعيه، ليجد نفسه عالقًا تحت ركام المبنى المهدّم، ولم يكن يعلم وقتها ماذا حصل في بيروت، ولا قوّة الانفجار، وفق قوله.
وتابع: «بعد نحو 3 ساعات من وقوع الانفجار، وصل الدفاع المدني اللبناني، والفلسطيني، ومغاوير الجيش اللبناني، وبدأت محاولات إنقاذي بعدما سمعوا صوت صراخي».
و»بعد نحو 17 ساعة و20 دقيقة، استطاعت الفرق العاملة إنقاذي من تحت ركام المبنى الّذي عشت فيه أصعب الأوقات» على حدّ قوله.
وهنا كانت الصدمة الكبيرة… عصام عطا خسر شقيقه عبدو الّذي توفى، كما فقد عصام فَقد قدرته على المشي بشكل عادي، خسر منزله الّذي تهدم بالكامل، وخسر مطعمه في بيروت.
«خسرتُ كلّ شيء في لحظة واحدة» هكذا قال بقلبٍ محروق، وعيون دامعة.
وآنذاك وصلَت أضرار الانفجار على بعد نحو 7 كيلومترات من موقعه، ملحقًا ضررًا ماديًّا بنحو 87 ألفًا و519 وحدة (توزّعت بين وحدات سكنيّة، مؤسّسات حكوميّة وتجاريّة، مطاعم وحانات، منشآت تعليميّة، مستشفيات، فنادق، دور عبادة، مبانٍ أثريّة وسيّارات) حسب مسح للجيش اللبناني.
وفي حديث سابق لمحافظ مدينة بيروت، القاضي مروان عبود، كشف أنّ نحو 300 ألف شخص باتوا مشردين جرّاء الانفجار.
عصام عطا الّذي تدمّر منزله ومطعمه بالكامل، أكّد أنّ «الدولة اللبنانية لم تمدّ يد العون له بعد خساراته الكبيرة هذه». وكشف أنّ «بعض الجمعيّات قدّمت لنا مساعدات، كمبالغ ماليّة بسيطة أو أدوية، لكن هذا لا يساعدنا على إعادة إعمار منزلنا».
وتتميز شوارع بيروت تتميّز بالهندسات المعماريّة التراثيّة، الّتي تعود إلى آلاف السنين والعصور، ومنزل عصام كان واحدًا منها.
وبالنسبة الى عدد المباني التراثيّة المتضرّرة من الانفجار، فبلغت نحو 640 مبنى، تراوح بين 480 مبنى تراثي و160 مبنى ذي خصائص معماريّة مميّزة، وفق تقرير للمديريّة العامّة للآثار في 19 أغسطس/آب 2020.
وتزيد كلفة ترميم المباني التراثية عن العادية بأشواط. وفي هذا الصدد ذكر عطا أنّ منزله الّذي تهدّم في انفجار المرفأ، تمّ إنشاؤه في العام 1886، وهو منزل تراثي قديم.
ولفت قائلاً: «تواصلنا مع بعض الجمعيّات بهدف المساعدة إلا أنّنا لم نلقَ جوابًا، كون غالبّيتها كان يقدّم المساعدة للمنازل ذات الأضرار البسيطة، الّتي تكسّر زجاجها أو أبوابها فقط».
يحاول اليوم عصام التأقلم مع الوضع الّذي وصل إليه، لكن من دون أن يستسلم.
وأكّد بكلّ عنفوان «سنناضل حتّى نعرف من يقف خلف الانفجار، ولن نترك المجال لأيّ شخص أن يختبئ خلف حصانته».
وشدّد قائلا: «الوجع يملؤنا من الداخل، لكنّنا نستطيع المقاومة حتّى الوصول إلى العدلة، وبالتالي الحصول على حقّنا بالقانون».
ودعا الشعب اللبناني إلى «الوقوف جنبًا إلى جنب، بوجه الأحزاب الطائفيّة، من أجل بناء لبنان الّذي نحلم به».
بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، لم ينهِ عصام علاج قدمه الّتي تضرّرت بشكل كبير.
وأفاد بأنّه لا يزال يحتاج إلى علاج خاص لها، لكي يتمكّن السير بطريقة أفضل.
وقال إنّ الدولة اللبنانية غطّت علاج العمليّة الّتي أُجريت مباشرةً بعد الانفجار، إلّا أنّ كلّ العلاجات اللّاحقة كانت على نفقته الخاصّة.
وطالب الدولة بـ«تخصيص صندوق وطني خاصّ بجرحى انفجار مرفأ بيروت» كاشفًا عن «التخطيط لتشكيل لجنة تتابع هذا الموضوع».
وأوضح أنّ «هدف هذا الصندوق هو تأمين الطبابة الّتي يحتاجونها، نتيجة الإصابات الّتي ترك الانفجار أثرها لديهم». ويُنظم أهالي ضحايا الانفجار وقفات احتجاجية، بين حين وآخر، للمطالبة باستكمال التحقيقات وكشف حقيقة الانفجار ومحاسبة المتورطين فيه.