بيروت تنتفض في ذكرى تفجير المرفأ
في ظل حداد وطني عمّ بيروت ومختلف المناطق اللبنانية في ذكرى انفجار مرفأ بيروت المدّمر، وعلى أنغام أغنية فيروز” من قلبي سلام لبيروت”، استعادت العاصمة اللبنانية الذكريات الموجعة في ذلك النهار المؤلم، وعادت الساحات والطرقات لتشهد أضخم تحرك شعبي منتفض للمطالبة بكشف الحقيقة وتطبيق العدالة بحق كل متورّط ومهمل ومقصّر من أعلى الهرم في الدولة إلى أصغر موظف، وتعبيراً عن حالة غضب شديد من تهرّب مسؤولين سياسيين وأمنيين من المثول امام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، متسلّحين بحصانات شدّد أهالي الضحايا مسلمين ومسيحيين على ضرورة إسقاطها تلقائياً.
وفي المناسبة، ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قداساً في مرفأ بيروت شارك فيه فقط أهالي الضحايا، في وقت كانت مجموعات المجتمع المدني تتجمّع في محيط المرفأ عند تمثال المغترب وفي ساحة الشهداء، وقام بعض المحتجين بمحاولة اقتحام مبنى المجلس النيابي مستخدمين الأدوات الحادة، ولدى تصدّي القوى الأمنية لهم بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع رشقوها بالحجارة التي طالت محيط البرلمان ونتج عن المواجهات سقوط عدد من الجرحى، في وقت توجّه محتجون إلى مبنى اللعازارية حيث حاولوا الدخول إلى مبنى وزارتي الاقتصاد والبيئة. وقد طلبت قوى الأمن الداخلي من المتظاهرين السلميين الخروج فوراً من الأماكن التي تحصل فيها الاعتداءات حفاظاً على سلامتهم.
وتأتي المواجهة مع القوى الأمنية في وقت تتخوّف الطبقة السياسية وخصوصاً من طلب المحقق العدلي القاضي طارق البيطار رفع الحصانات عنهم ومن وقّعوا العريضة التي سمّوها” عريضة العار” من حدوث أعمال شغب تطال منازلهم للاقتصاص منهم بسبب موقفهم المعترض على رفع الحصانات.
من جهته، دعا البطريرك الراعي "المتظاهرين إلى تجنّب العنف والعبارات المسيئة والاعتداء على المؤسسات والأملاك العامة والخاصة وعدم التعرض للجيش والقوى الأمنية”. ودعا "القضاء إلى معاقبة المذنب وتبرئة البريء”، وقال” معيب تهرّب المسؤولين من التحقيق تحت ستار الحصانة أو أو عريضة من هنا أو هناك، والشعب لا يريد عرائض إنما يريد حقائق، ومن يخاف العدالة يدين نفسه بنفسه”. وقال”مطلبنا العدالة وستبقى الأرض تضطرب إذا لم نعرف حقيقة من أتى بالمواد المتفجّرة ومن هو صاحبها الأول والأخير ومن سمح بإنزالها وتخزينها وإلى أين أرسلت؟ من عرف خطورتها وتغاضى عنها ومن طلب منه التغاضي؟ من فجّرها وكيف تفجرت؟”. وأكد أنه” بعد 17 تشرين و4 آب والانهيار لا مكان للمساومات بل نحن مع قرارات شجاعة”، مشدداً "على ضرورة تأليف حكومة إنقاذ فوراً "، لكنه استطرد عن المسؤولين” لا حياة لمن تنادي وكأن لا مرفأ إنفجر ولا شعب يجوع، لا يخجلون مما فعلوه واتُّهموا ولم يبالوا وأحيل بعضهم إلى القضاء ولم يمتثلوا وأخفقوا ولم يعترفوا بفشلهم وسقطوا ولم يدروا”، وختم في إشارة ضمنية إلى حزب الله” لا نريد اقتتالاً بعد اليوم ولا حروباً ولدينا فائض حروب وشهداء مقاومات”.
وما لم يقله الراعي صراحة، طرحه رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل الذي وجّه اتهاماً ضمنياً لحزب الله بالوقوف وراء نيترات الأمونيوم، وسأل” هل حزب الله حوّل العنبر رقم 12 لمستودع متفجرات بالتواطؤ مع الدولة اللبنانية؟ هل كان يزوّد النظام السوري بالنيترات ليحوّلها براميل متفجرة لرميها على رأس شعبه؟”. كما سأل”ما الذي أشعل الحريق؟ ما الذي انفجر في أول انفجار؟ لماذا الرئيس دياب كان سيتوجّه إلى المرفأ قبل أسبوع من الانفجار وغيّر رأيه؟ من قال له لا تذهب؟ ولماذا قالوا له ذلك؟”. وأضاف” أن رئيس الجمهورية ميشال عون اعترف إنّه كان يعلم قبل 15 يوماً. لماذا هو فوق المساءلة؟ أجهزة حزب الله ناشطة في المرفأ بعلم الأجهزة الأمنية وكل اللبنانيين. لماذا السيد حسن نصرالله فوق المساءلة؟ أي شخص من دون استثناء كان يعلم ممنوع أن يكون فوق المساءلة”.
وفي المناسبة ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً دولياً لاتخاذ خطوات عملية لمساعدة اللبنانيين أسفر عن تعهد بدعم مالي للبنان بقيمة اجمالية قدرها 370 مليون دولار. وعلى مسمع الرئيس عون هاجم ماكرون في كلمته الطبقة السياسية في لبنان بما يشبه مضبطة اتهام، معتبراً أن "الأزمة التي يعيشها لبنان هي ثمرة فشل فردي وجماعي وأفعال غير مبررة، ونتيجة أخطاء حصلت ضد المصلحة العامة”، متهماً "كل الطبقة السياسية بالمساهمة في تفاقم الأزمة عندما وضعت مصالحها الشخصية فوق مصالح الشعب اللبناني”.
وتوجّه ماكرون إلى الرئيس اللبناني ميشال عون داعياً إياه إلى "تشكيل حكومة وإيجاد التسوية اللازمة، وتطبيق الورقة التي تمّ التوصل إليها قبل عام من الآن”، وأضاف أن "الأولوية الملحة الآن هي لتشكيل حكومة بإمكانها اتخاذ تدابير استثنائية في خدمة الشعب اللبناني”. وقال: "لقد تمكنا من اتخاذ تدابير صارمة ضد الشخصيات المنخرطة بالفساد والتعطيل السياسي في لبنان، ووضعنا مع شركائنا الأوروبيين نظاماً خاصاً بالعقوبات من اجل لبنان، ولا يجب على المسؤولين فيه أن يشكوا بتصميمنا على تطبيق هذه العقوبات”.
القدس العربي