الثواب والعقاب في القطاع العام
سلامة الدرعاوي
بموجب تعليمات الخدمة المدنية، فإن موظف القطاع العام فعليّاً يتمتع بحصانة من أيّ مساءلة مهما كان حجمها، والإجراءات التي تتم له مهما كانت مخالفته لا تليق أبداً بنوعية وحجم الضرر الذي تسبب به.
الموظفون في القطاع العام ورغم ان غالبيتهم تعينوا بالواسطة والمحسوبية ونزلوا بالبراشوت على الوظيفة العامة، إلا ان سلوكياتهم في العمل لم تتطور أبداً في كثير من جوانبها، وهذا امر منطقي، فالذي جاء بالواسطة لا يمكن ان يحاسب الآخرين على أخطائهم، لا بل ان مفهوم التقييم والمحاسبة مفقود في سلوكه العمليّ الذي هو بالأساس لم يأت من خلال الأبواب القانونيّة.
الجانب الأكثر خطورة في العمل العام هو أن إقالة الموظف بات أمراً لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مجلس الوزراء في كثير الحالات، وبغض النظر عن الجرم الذي ارتكبه، وقد تكون اقسى العقوبات هي عملية نقله لمكان آخر.
لكن التطوّر المهم في التعامل مع موظفي الدولة من قبل الحكومة والمسؤولين هو خضوعهم للضغوطات الشعبوية في عملية التعيينات والعقوبات معاً، فمن يصدق، ان بعض الموظفين المعاقبين لجأوا لأقاربهم النوّاب للضغط على الوزراء لثنيهم عن قرارات نقلهم على سبيل المثال، لا بل وصل الأمر من قبل رئيس إحدى اللجان النيابيّة بإعداد مذكرة نيابيّة لطرح الثقة بوزير سيادي لأنه لم يقم بتعيين أقارب له ونقل بعض الموظفين من معارفه ومنطقته الانتخابيّة للعمل في دائرة رسميّة تتبع لعمل الوزير، وبات الحديث على المكشوف إما الثقة وإما التعيين.
أسوأ شيء حدث في القطاع العام خلال السنوات الماضية هو استباحة النوّاب للعمل العام والتدخل بتعييناته، وخضوع الحكومات لهم من باب ترضيتهم للحصول على ثقتهم تحت القبة مع كُلّ أسف، وشخصيا أعتقد أن ما أدى لتشوّه القطاع العام بشكل كبير في المرحلة السابقة هي تدخلات النوّاب تحت مظلة ومباركة الحكومات السابقة، فهي نوع من أنواع التواطؤ على العدالة في التعيينات لتحقيق مكاسب غير شرعية على الإطلاق سواء الحكومة ام للنواب.
هذه التدخلات من النوّاب وغيرهم من كافة قوى المجتمع حتى الإعلاميين منهم والتي تجاوزت كُلّ القيم والمعايير القانونيّة أدى إلى ترهل القطاع العام والذي باتت أعداد العاملين فيه تتجاوز الـ230 ألف شخص علما بأنه قد لا يحتاج لأكثر من 70 ألف موظف بالحد الأعلى.
هذا التضخم أيضاً انتقل للقطاع الخاص، الذي بات هو الآخر مع كُلّ أسف قطاعا متضخما بالأعداد البشريّة الكبيرة التي تعمل به فوق احتياجاته الأساسيّة، فكل الشركات الكبرى في التعدين والاتصالات والبنوك والإعلام بات لديها من القوى البشرية أضعاف ما تحتاج، وهو ما تسبب في تضخم نفقاتها والتي أدخلت الكثير من تلك الشركات في نفق الخسائر التي تجاوزت في بعض الحالات خسائر رأس المال، فحتى القطاع الخاص لم يسلم من التدخلات الخطيرة في التعيينات الشعوبيّة البعيدة كُلّ البعد عن الكفاءة.
لا مجال لعمليات الإصلاح للقطاع العام طالما بقيت عقلية الحصانة ممنوحة للموظف العام، فالأساس ان يكون الموظف سواء أكان في القطاع العام أو الخاص بنفس معايير النظام والالتزام والمكافأة والعقوبة في العمل، وهذا أمر فيه عدالة للجميع طالما كانت مسطرة القانون هي الفصل في التعامل.