لقد جلس النائب في موقع الرئيس
ماهر أبو طير
لا يحتاج أي نائب الى وسائل غريبة للتعبير عن موقفه من أي حكومة، إذ إن صلاحيات النائب تمنحه وغيره من نواب القدرة على مساءلة أي حكومة، ومراقبتها، والتحشيد معها او ضدها.
النائب عماد العدوان في اول جلسة من جلسات النواب يوم امس، ذهب وجلس في مقعد رئيس الوزراء، معلنا انه يعترض على سياسات الحكومة بشأن أسعار النفط والكهرباء والمواد الغذائية، مما أدى الى حدوث صخب وضجيج داخل مجلس النواب، ومغادرة الحكومة، ثم انفراط عقد الجلسة ذاتها، ليتم الإعلان عن عقدها في وقت لاحق، فيما رفض العدوان الاعتذار لرئيس الوزراء، معلنا استعداده ان يعتذر لمجلس النواب فقط، مؤكدا انه لم يتجاوز بتصرفه.
لكن دعونا نتحدث بهدوء هنا، فلم يكن النائب العدوان مضطرا لهذا الموقف أصلا، فلماذا يعبر عن موقفه من سياسات الحكومة بالجلوس في موقع رئيس الحكومة، وماذا يعني ذلك سياسياً، وهل يؤثر، وكيف يختلف في احتجاجه هنا، عن أي مواطن آخر، يحمل يافطة، او يكتب مقالا، او يعترض عبر تعليق، وكلنا نفعل ذلك، بمن فيهم كاتب هذه السطور، ليأتي السؤال حول جدوى هذه التصرفات من جانب نائب، لديه صلاحيات محددة دستوريا، وبإمكانه اللجوء اليها، بشكل منطقي، وربما أيضا ضم نواب آخرين الى صوته، في أي موقف يتخذه، داخل مجلس النواب، بدلا من التعرض للرئيس بشكل فسره البعض بكونه مساسا مرفوضا بشخصه.
معنى الكلام ان لا جدوى من هذه التصرفات، مع تقديرنا واحترامنا للنائب. ربما لأننا في الأردن يمر كل شيء دون كلف. لكن الرسالة الحقيقية هي القدرة على التغيير، وليس الابراق برسائل احتجاج بطرق مختلفة، تتشابه مع الذين لا يملكون صلاحيات دستورية، هذا على الرغم من ان النائب قادر على التعبير عن نفسه سياسيا بطرق مؤثرة، بعيدا عن صناعة المشاهد، بهذه الطريقة، وسوف يسأل المواطنون غدا، عن نتائج حادثة كرسي الرئيس، واذا ما كانت خفضت الأسعار، او غيرت من الواقع، ام انها تبددت في ساعتها، لتضاف الى عشرات الحوادث داخل البرلمان في الأردن، وكل دول العالم.
النواب طوال عمرهم، يصرخون بصوت مرتفع، والبعض يهدد بحجب الثقة، والبعض يأتينا بمقابلة ساخنة، او مقال ناري، لكن القرارات الحكومية تمر، واحيانا يجمع النواب التواقيع لحجب الثقة عن هذا او ذاك، ويسطرون المذكرات، التي يختفي بعضها، وهذا يعني ان العمل السياسي في الأردن، في اعلى سقوفه، لا يغير من الواقع شيئا، بما يقودنا الى الحديث مجددا عن جدوى الجلوس في كرسي الرئيس، واذا كانت هذه رسالة احتجاج، ستغير من الواقع شيئا، ما دمنا عبر الوسائل المتاحة دستوريا، غير قادرين على تغيير أي شيء في الأردن.
كل هذا الكلام لا يأتي في سياقات الانتقاص من النائب، لكن في سياقات التذكير بالصلاحيات الدستورية، أولا، وضرورة تفعليها، إضافة الى ان نقدنا لبعضنا بعضا يجب ان يبقى ضمن حسابات وسقوف، ترتبط أيضا، بالبنية الداخلية، ومعرفتنا كلنا لبعضنا بعضا، والحدود الاجتماعية التي ندركها ونعرفها، في إدارة علاقاتنا مع بعضنا بعضا، فلا نذهب بعيدا في محاولة تكسير بعضنا بعضا، وكأننا بهذه نصنع سياسة فريدة، فيما القصة تعبير في الأساس عن عدم تفعيل الوسائل الدستورية، واللجوء الى طرق تشابه طرق غير النواب.
لا أحد ينكر ابدا الغلاء والمصاعب الاقتصادية، وكلنا نتحدث عن هذا الامر، كتابة وتصريحا واحساسا، لكن من حقنا ان نسأل عن الجدوى في أي تصرف، بعد ان تعب كل الأردنيين من هذا المشهد، ويريدون حلولا، وليس مجرد صخب وضجيج وصوت مرتفع، فيما يبقى كل شيء على حالة، فقد وصل الأردنيون الى اعلى درجات السأم من التعبيرات السياسية الغاضبة، والمعارضة للحكومات دون جدوى، مثلما دب الملل فيهم من كل حكوماتهم أيضا.
كل ما نريده ان يجلس النائب في كرسيه الأساس، وليس في كرسي الرئيس، ومن هناك ان يمارس صلاحياته، فيما الجلوس في موقع رئيس الوزراء، غير مجد، في زمن لم تعد فيه رسائل الاحتجاج حلا، بعد ان اختبر الأردنيون طوال عمرهم، مضيعة الوقت.