السياسي والاقتصادي والإداري معا
خالد دلال
تأكيد جلالة الملك عبدالله الثاني، خلال لقائه هذا الأسبوع رئيس وأركان اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، "أهمية النظر بشكل شمولي إلى مسارات التحديث الثلاثة”، السياسية والاقتصادية والإدارية، هو جوهر الإصلاح المتكامل في غايته النهائية، والذي يكمن فيه صلاح الدولة والشعب، حاضرا ومستقبلا.
فحرص جلالته على ذكر المسارات الثلاثة معا ينطلق من الاستشراف القيادي بأن الإصلاح لا يؤتي ثماره في العمل على محور واحد بمعزل عن غيره، بل بالتوازي على مختلف الجبهات، والتي تشكل معا مظلة جامعة لتطلعات شتى شرائح المجتمع في مستقبل تشاركي، يكون أساسه دولة القانون والمؤسسات. وهذا ما علينا جميعا الإيمان به، قولا وعملا.
التوجيه الملكي يحمل اللجنة مسؤولية شمولية الأهداف وتناغمها، كما أنه يلبي آمال مختلف أطياف المجتمع بأن الإصلاح لن يتوقف عند محور واحد، بل سيشمل كل ما هو ضروري من اقتصادي وإداري وغيره، وبهذا تكتمل المسيرة وتكون نتائجها قابلة للقياس والبناء عليها.
لعل أحد أسباب القصور في الإصلاح سابقا كان في غياب نظرة بعض النخب وقادة المجتمع إلى حتمية شموليته لينجح. فلا يفي بالغرض اختصار الإصلاح، كما يحلو للبعض، فيما هو سياسي فقط، ذلك أن الإداري هو المقدمة للسياسي والاقتصادي نتيجة له، كما يمكن وصفه.
ومن المسارات الثلاثة، يأتي تشديد جلالته، خلال اللقاء أيضا، على أهمية "وضع المواطنين بصورة النقاشات والتوافقات” الخاصة باللجنة، وبذلك نضمن أن يشعر الجميع أنهم شركاء حقيقيون في صنع القرار، وهنا يكمن نجاح الإصلاح، مهما اختلفت صوره. فالشراكة تؤسس للنقاش والتوافق في الغالب، مهما كان من اختلاف في الرأي.
أما قول جلالته: "إن مسيرة التحديث والتطوير مستمرة، بالرغم من محاولة البعض وضع المعيقات أمامها، دون إدراكهم أن العمل يجري بشفافية لأجل مستقبل أفضل للأردن”، فهو ما يجب أن نقف عنده جميعا بتأمل وتفكير. فهل من الحكمة أن يستمر البعض في وضع العراقيل، والدولة، وبضمان قيادتها، تسخر كل الإمكانات لنجاح الإصلاح؟!
لعل هذا يقودنا إلى أن الأهم من الإصلاح ذاته هو الإيمان به نهجا للحياة. والمشكلة التي قد تبرز هنا أن من عادات البعض لدينا الانتقاد بهدف الانتقاد فقط، سواء كان الأمر إيجابيا أم سلبيا! وهذا جزء من ثقافة بعض السياسيين والاقتصاديين للفت الانتباه لهم!
وهنا لنتذكر قول الأديب الأميركي الشهير مارك توين: "لا شيء يحتاج للإصلاح أكثر من عادات الناس”. وهو محق، ذلك أن النفس البشرية، إن اعتادت على السلبية، بسبب أو بغيره، فإن الإصلاح لديها لن ينجح إن لم يبدأ من إصلاح تلك النفس وعاداتها في النظر والتعامل مع الأشياء أولا. صحيح أن لكل منا زاويته في النظر للأمور، لكن الصورة الأشمل للجميع يجب أن تنصب على مصلحة الوطن لا غيره، بعيدا عن ذات الأنا إلى ذات الكل. وفي هذا نجاح الأمم من قبلنا ومن بعدنا.
لتكن الإيجابية أساس التعاطي مع اللجنة ومخرجاتها. فنحن لا نملك ترف الوقت، والحاجة لنجاح اللجنة في مهمتها ضرورة ومسؤولية الجميع لضمان مستقبل أفضل للأجيال، بحاضرها ومستقبلها.
لنتقدم خطوات إلى الأمام، ولنقدم للعالم نموذجا أردنيا ناجحا للإصلاح. ولنكن القدوة على مستوى المنطقة في ذلك، ونحن ندخل مئويتنا الثانية. لدينا قصة نجاح تروى. لنكن جميعا جزءا منها.