كلام عن مهمة الرفاعي ورفاقه
ماهر أبو طير
ما هو أكثر أهمية من إنتاج قوانين سياسية جديدة، استذكار معيار النزاهة في كل ما ينتج عن أي قانون، وهنا، وبقدر أهمية شكل قانون الانتخاب، فإن الأهم، هو النزاهة في الانتخابات ذاتها.
يقال هذا الكلام، ليس انتقاصا من محاولة تحديث المنظومة السياسية، وهو الجهد القائم الآن، لكن من اجل ان نؤشر على ان عمليات التحديث على القوانين، ينبغي ان ترافقها تغييرات في الطريقة التي تدار بها بعض القضايا، وتحديدا الانتخابات النيابية، والطعون التي جرت على مدى سنوات طويلة في نزاهتها، وصدقية نتائجها، ومدى تمثيل هذه البرلمانات للأردنيين بشكل صحيح، فتحديث القوانين، يجب ان يرافقه تغير في الإرادة السياسية، وطريقة إدارة كثير من الملفات.
كل قانون انتخابي، مر على الأردن، كان به نقاط قوة وضعف، واحيانا كانت تجري اعتراضات على بعض توزيعات الدوائر او المقاعد، او نمط الصوت الواحد، او القوائم، وغير ذلك، لكن الاشكال الأكبر لم يكن يكمن في هذه التفاصيل، بل في نتائج الانتخابات، و طريقة تطبيق القانون الموجود، وغياب النزاهة في كثير من التفاصيل، من الحملات الانتخابية، مرورا بالتشظية الاجتماعية للوحدة الواحدة، ونتائج ذلك، وصولا الى المخالفات المالية، والكلام عن دعم هذا، ومحاربة لذاك، بما يسفر كل مرة عن مجالس نيابية، يدور حولها الهمس سرا، او الطعن علنا، بما يضعف البرلمانات ، ويقدمها على انها مجرد نسخة علنية عن قرارات تم اتخاذها مسبقا.
في احدى المراحل قام مسؤولون بالتدخل في الانتخابات النيابية بشكل مسبق، بل ان بعض المرشحين قبل سنوات طويلة كانوا يعرفون نتيجتهم مسبقا، حين تفوقنا في تلك الفترة بوجود خدمة اعلان النتائج قبل الفرز، والحمد لله، على ذلك، فهي خدمة عز نظيرها في شرق المتوسط.
احيانا كان يترشح اثنان من دائرة واحدة، وهما أبناء عم، وبذات الخلفية الاجتماعية والمهنية، ولا احد فيهما معارض، وبرغم كل هذا يتم التدخل الناعم لصالح احدهما ضد الآخر، هذا على الرغم من ان فوز أي واحد فيهما، سيؤدي الى ذات النتيجة، فلماذا كان يحدث التدخل؟ وما هي كلفة التشظية والانقسام العائلي؟ ولماذا نتسبب بأحقاد بين أبناء منطقة واحدة؟.
نحن في توقيت مهم، ولجنة تحديث المنظومة السياسية عليها دور كبير، وبالتأكيد ستقوم بتنفيذ المهمة الموكلة اليها، وليس منطقيا مهاجمتها لمجرد الهجوم، او لدوافع تكسير الأشخاص، او الانتقاص من دورها، او من رئيسها سمير الرفاعي، وعلينا ان ننتظر ما ستأتي به من تحديثات على مستويات مختلفة، سيتم رفعها الى البرلمان، نهاية المطاف من اجل إقرارها، في صيغتها النهائية، التي قد تبقى كما هي، او قد تتعدل مجددا، وعلينا هنا، ان نعطي انفسنا فرصة على مستوى تحديث القوانين، وخصوصا، قانون الانتخاب الذي يخضع دوما لتجاذبات كبيرة.
هذا يعني ان علينا ان نفصل في المسارات، هناك مسار اللجنة وما سيخرج عنها. وهناك المسار الثاني الموازي لقرارات اللجنة، أي مسار النزاهة والضمانات، والثاني مرتبط بتوجهات الدولة، وليس مطلوبا من اللجنة، إلا في جزئية عدالة التمثيل، كما ان أهميته تظهر عند التطبيق الفني لقوانين مثل الانتخاب، بما يعني ان الإرادة السياسية، يجب ان تعزز معيار النزاهة، فهو معيار مقدس، حتى يقال للناس حقا، ان هذا هو مجلسكم النيابي، وهذا هو الذي يمثلكم، دون مطعن من احد، إضافة الى التحدي المرتبط برفع نسبة التصويت، وعدم مواصلة الارتهان، الى اننا ننتج برلمانا بمن حضر فقط، دون أي سؤال حول كلفة الغياب والغائبين، وكأنهم مجرد اشباح.
نحن ننتظر نتائج اللجنة، ونصبر عليها، صبرا جميلا، حتى لا يتم اتهامنا أيضا بكوننا سلبيين، ونتصيد لغيرنا لدوافع شخصية، او سياسية، لكننا نعيد التذكير هنا، بأن قانون الانتخابات هو المدخل الوحيد لمجلس نيابي ممثل لكل الأردنيين، بما يليق بهم حقا، دون ان ننكر هنا، ان هناك قوانين انتخابية مرت علينا، كانت جيدة الى حد كبير، لكن غياب النزاهة في الانتخابات ذاتها، افرغها من مضمونها وقيمتها، وهذا يأخذنا الى الاستخلاص الأهم.
نريد قانونا جيدا، وما هو اهم ان تتبعه إرادة سياسية، تمنع افساد مضمونه وجوهره، وتعزز النزاهة في تطبيقاته الفعلية.