أصوات تصل إلى «القصر الملكي» دون «فلاتر»
الانطباع كبير ويزداد في الأردن تحت عنوان اللجنة الملكية للإصلاح والمسافات التي تخصص لها بعيداً حتى عن الأجندة المرسومة سابقاً بخصوص تعديل تشريعات لها علاقة بتحديث المنظومة السياسية للأردن.
الجديد التام في الموضوع أن اللجنة بدأت تستمع لإيقاع الأردنيين على مستوى المجموعات. والطازج أكثر بالمعنى السياسي، أن اللجنة بدأت تحظى بدور ما ولو تحت قاعدة الإصغاء فقط في المساحة السياسية، وخصوصاً تلك المثيرة للجدل وعلى أساس أن الإصغاء مهم، وإن كانت اللجنة الملكية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي تمارسه تحت يافطة الشرعية الاستشارية الملكية هذه المرة، وبمعنى أن القصر الملكي الذي يصغي لقطاعات وشرائح مهمة وأخرى مسيسة في المجتمع هذه المرة. يسجل الرفاعي ورفاقه ملاحظات بالجملة على قضايا وملفات سياسية أساسية طالما أثارت الجدل.
قيمة «الإصغاء» للشارع تصعد في البلاد
في هذا السياق، لوحظ بوضوح أن الرفاعي فتح قناة للحوار تحت يافطة اللجنة دوماً مع قيادات الإخوان المسلمين، والتقى بعض تلك القيادات مرتين على الأقل في حوار بين النخبة المحسوبة على مؤسسة القصر والتنظيم الأهم، الذي يتعرض للمضايقة في «الحالة الحرياتية» الأردنية.
شوهد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، مرتين على الأقل على طاولة حوار مع الرفاعي، والعنوان المفترض للحوارات هو النشاط تحت قاعدة الإصغاء، فاللجنة الملكية التي تحاول صياغة مشروع لمستقبل الإصلاح السياسي للأردنيين قررت بطريقة أو بأخرى، الاستماع لإسلاميين ولغيرهم، وقيمة الإصغاء هنا تفتح مجالات للشكوى والتذمر ولتسجيل وتدوين ملاحظات.
لاحقاً للحوار مع الإسلاميين، استجابت اللجنة الملكية لحوار طلبته نقابة المعلمين مباشرة بعد الإفراج عن كبار قادة الحراك التعليمي من الذين حظر نقابتهم القانون واعتقلوا عدة مرات، التقى الرفاعي بنخبة القيادة التعليمية وعلى الأغلب كان نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة يكرر على مسامع الرفاعي ما كان قد اقترحه في زيارة معروفة قبل أسابيع لمكتب «القدس العربي».
وقتها، أعاد النواصرة التذكير بأن الأهم مطلقاً بالنسبة للشارع الأردني وجمهور المعلمين والقطاع العام هو بقاء النقابة، باعتبارها مؤسسة وطنية بعيداً عن التجاذب أو الاختلاف، معتبراً بأن كل القضايا المطروحة قابلة للنقاش، وبأن المرونة موجودة، وبأن النقابة لا تنوي التصعيد السياسي، لكن لديها أطراً تمثيلية ويجب أن تبقى.
وأغلب التقدير أن النواصرة أبلغ الرفاعي استعداده شخصياً ورفاقه في أعضاء الهيئة التي تدير النقابة، وهي بالمناسبة هيئة محلولة، التخلي عن فرصتهم فى الترشح لانتخابات جديدة على أساس صفقة سياسية هذه المرة توحي بأن البلاد قادرة على طي صفحة الخلاف التي تحمل اسم نقابة المعلمين، والتي طالما أنتجت صداعاً كبيراً لكل الأطراف.
لم يعد سراً في عمان أن الرفاعي قد يتقدم بـ»مبادرة» قريباً في هذا الاتجاه، تدعمها عن بعد حكومة الرئيس بشر الخصاونة. وثمة دلالة لا تقبل التأويل عندما يتعلق الأمر بلجنة ملكية تحاور قوى المجتمع، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين، وتعبيرها الحزبي ممثلاً بجبهة العمل الإسلامي، ولاحقاً نقابة المعلمين التي تم تصنيفها في دائرة الخصومة للموقف الرسمي منذ أكثر من عامين.
اليوم تقصد اللجنة الإصغاء للجميع. وعضو اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية محمد الحجوج تحدث لـ«القدس العربي» عن أهمية الإصغاء لاحتياجات وآمال وتطلعات الأردنيين، معتبراً أن الانفتاح في حوارات خاصة يشكل قاعدة وفيرة من المعطيات والمعلومات الوطنية التي تخدم المشاورات داخل اللجنة، وبالتالي يرى الحجوج بأن الإعلاء من قيمة الحوار مع الأردنيين هو أساس مضمون البداية الصحيحة في اتجاهات الإصلاح.
لكن قيمة الإصغاء لم تقف عند هذه الحدود؛ فبعد ظهر الخميس فقط، عقد الرفاعي اجتماعين تشاوريين، الأول مع ممثلي أو بعض ممثلي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وقبله ممثلي قطاعات مهمة في البادية الأردنية وفي البنية العشائرية.
حتى الآن عملياً، ثمة لقاءات بالجملة قد تتجاوز العشرات، عقدها الرفاعي أو عقدها أركان في اللجنة لتفعيل وتنشيط قيمة الإصغاء لإيقاع الأردنيين ومطالبهم.
ومن المرجح أن هذه اللقاءات تخدم أجندة اللجنة، لا بل ترسم صورة لم تعد وردية لواقع الأمر كما يراه المواطنون مباشرة، وهي مسألة تنطوي هذه المرة على قيمة مضافة يعتقد الرفاعي ورفاقه بأنها أساسية في القيام بواجب نقل الصورة كما هي لصانع القرار.
وبالتالي، الإصغاء للقيام بهذا الواجب بصورة هادئة للنقاشات والطروحات التي يقدمها المواطنون باعتبارهم هدف التنمية وهدف الإصلاح أصلاً الذي تتحدث عنه اللجنة الملكية اليوم والدولة من بعدها، كما يقدر الحجوج.
عملياً، من الطبيعي القول بأن تكريس قيمة الإصغاء اليوم ينطوي على محاولة لمساعدة الدولة والمستويات المرجعية؛ بمعنى نقل المعطيات والمعلومات لها مباشرة كما يراها الأردنيون وبدون الخضوع لفلترة المؤسسات البيروقراطية أو لفلترة النخب المحسوبة على الصف الرسمي، وأيضاً دون الكثير من اللف والدوران والتضليل؛ بمعنى أن مستودعاً سياسياً يتبع اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية اليوم لديه من المعطيات ما يخدم أيضاً ليس الناس فقط ولكن صانع القرار، وهي معطيات على الأرجح تنقل الواقع كما هو بسبب عدم وجود سلطات أو مؤسسات تحت عنوان التواصل المباشر ما بين اللجنة ومكتبها التنفيذي وما بين الملك ومكتبه والديوان الملكي.
وقد عبر عن ذلك مرات عدة الرفاعي نفسه، عندما أعلن بأن جلالة الملك أمره بإبلاغه وفوراً إذا ما لاحظت اللجنة وجود محاولة لإعاقة عملها أو التأثير على مجريات أجندة أعمالها.
وبالتالي، الإصغاء محطة مهمة. لكن السؤال هو: ما الذي سينتج عن الإصغاء لاحقاً؟ في ظل الهجمة المنظمة من داخل الدولة ومن بعض أوساط المجتمع والتيارات المحافظة على اللجنة وما ستعلنه من مخرجات لاحقاً، لا يمكن تقديم إجابة حاسمة على سؤال من هذا النوع.
لكن واحدة من أهم القيم التي يمكن ملاحظتها، هو وجود نخبة سياسية تمثل شرائح في المجتمع الأردني تزعم اليوم أو تدعي بأنها تمارس الإصغاء لصالح الشعب والقيادة، وهذه محطة مستجدة في الإيقاع المحلي قد يكون لها ما بعدها بالتأكيد.
بسام البدارين
القدس العربي