الصواريخ أولاً… معادلة “حزب الله” الجديدة

ازداد احتمال شروع "حزب الله” في حرب ضد إسرائيل بعد إطلاق الصواريخ الأسبوع الماضي. ووعلينا أن نفهم السبب الذي دفع "حزب الله” لإطلاق الصواريخ وما الذي استنتجه من الحدث.

فتح "حزب الله” النار لأنه استخلص الدروس من "حارس الأسوار”. فقبل ثلاثة أشهر، فتحت حماس هجوماً بالصواريخ ضدنا، وحرضت قسماً من عرب إسرائيل لتنفيذ أعمال هدم وعدوان على اليهود.

ردت إسرائيل بضرب البنى التحتية التابعة لحماس في غزة. وفي أثناء أيام الحرب، وقفت دول العالم في الطابور، بقيادة إدارة واشنطن، كي تعد مئات الملايين "لإعمار غزة”. ومنذ وقف النار، تلقت حماس وعوداً بنحو مليار دولار مساعدة من الولايات المتحدة، وأوروبا، وقطر، ومصر والأمم المتحدة. مبالغ بعشرات الملايين بدأت تتدفق الآن.

مثلما هي حماس مسؤولة حصرياً عن انهيار البنى التحتية والفقر المدقع في غزة، هكذا "حزب الله” موقع على انهيار لبنان وتدهوره إلى فقر رهيب. لقد أقنعت "حارس الأسوار” نصرالله بأن الطريق السهل للخروج من أزمة اقتصادية في أيام نقص في الأموال النقدية في طهران هو مهاجمة اليهود، وحتى مقابل صواريخ قليلة، تلقى "حزب الله” الكثير. وكانت الصحافة اللبنانية أفادت الثلاثاء، باعتزام الإدارة الأمريكية تحويل 100 مليون دولار مساعدة لوزارة الصحة اللبنانية لمعالجة كورونا. منذ 2019 ووزارة الصحة اللبنانية تحت سيطرة "حزب الله”.

الجيش اللبناني هو الآخر سينال علاوة مساعدة أمريكية في أعقاب هجمة الصواريخ. ففي شهادة أمام مجلس الشيوخ هذا الأسبوع ،اأنت ميرا روزنيك، مساعدة نائب وزير الخارجية للشؤون الإقليمية، على الجيش اللبناني وادعت بأنه "أحد أفضل شركائنا في الشرق الأوسط”.

استمرار المغازلة
ومن يؤيد تمويل لبنان أيضاً؟ حكومة إسرائيل، بالطبع. ففي جولة على الحدود بعد هجمة الصواريخ و”احتوائها”، كرر وزير الدفاع بيني غانتس موقفه بأن لإسرائيل أيضاً مصلحة في مساعدة لبنان اقتصادية. وهكذا يتعلم نصرالله بضعة أشياء عن سياسة الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن، وسياسة إسرائيل تحت حكومة بينيت – لبيد.

أولاً، إن السياسة التصالحية لدى إدارة بايدن تجاه إيران تؤدي إلى وضع تحمي فيه واشنطن اليوم على "حزب الله” من غضب إسرائيل. وهذا ليس مجرد اقتباس للصحافة العربية عن مصادر أمريكية ادعت أن إدارة بايدن أجبرت إسرائيل على الرد فقط بشكل رمزي على نار الصواريخ، بل إن الأمريكيين أرادوا أن يبثوا لـ”حزب الله”، والشعب اللبناني، وللعرب السُنة، ودول الخليج، ولا سيما لإيران الرئيسة – بأن إدارة بايدن ودية لإيران ولرعاياها. في إطار سياسة المصالحة تجاه إيران، تبدو إدارة بايدن مستعدة لإجبار إسرائيل على عدم إطلاق النار.

أفادت الخدمة الإخبارية "بلومبرغ” هذا الأسبوع بأنه في ضوء تنصيب إبراهيم رئيسي المتزمت، تفهم إدارة الولايات المتحدة بأنه قد يصعب عليها العودة إلى الاتفاق النووي في 2015. ولكن الإدارة لا تيأس. فهي تفكر بأن تقترح على الإيرانيين صفقة أصغر – إلغاء قسم من العقوبات مقابل لجم جزء من النشاط النووي.

"لا مفاجآت – صفر مبادرة عسكرية”
تدرك إسرائيل أن "حزب الله” تعلم أمرين مهمين: أولاً – أن حكومة بينيت – لبيد لن تعمل بخلاف موقف إدارة بايدن. صحيح أن الإدارة تنفي أن ضغطاً أمريكياً هو الذي تسبب بقرار رد فعل رمزي على "حزب الله”، ولكن العالم العربي لا يشتري هذا، وليس صدفة. فبينيت يسير حتى الآن على الخط مع الإدارة في كل موضوع تقريباً. إن معادلة "صفر مفاجآت” حيال إيران معناه، في ضوء هوس الإدارة لعقد الصفقات مع آيات الله، إلغاء الخيار العسكري حيال النووي الإيراني.

يؤيد بينيت مساعدة غزة، وحسب تقرير المراسل يوني بن مناحم، فقد وافق أيضاً على العمل مع الإدارة كي يبني رواية قانونية تسمح للسلطة بمواصلة دفع الرواتب للمخربين، وبالتوازي السماح للإدارة بتحويل مئات ملايين الدولارات كل سنة إلى السلطة الفلسطينية. إسرائيل ستستأنف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة.

كما أن بينيت يسير على الخط مع الإدارة على القدس. فهو لا يزال يعارض رسمياً فتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في العاصمة – الأمر الذي سيؤدي إلى المس استراتيجياً بوحدة المدينة – ولكنه الآن سار على الخط مع الإدارة في موضوع إلغاء حقوق الملكية للمالكين اليهود للبيوت موضع النزاع في حي شمعون الصدّيق/ الشيخ جراح. وحسب التقرير، طلب بينيت من الإدارة العمل مع السكان الفلسطينيين غير القانونيين في المباني بإقناعهم بقبول التسوية التي اقترحها قضاة محكمة العدل العليا.

وحسب التسوية، يبقى المالكون اليهود منزوعي حقوقهم في الملكية للمستقبل المنظور، ويعترف الفلسطينيون بملكية ليست ذات معنى لليهود. هذه حكومة مستعدة للعمل حتى وإن لم يكن بشكل رسمي، لتخفيف سيادة إسرائيل في القدس. وهي مستعدة لأن تحيد الخيار العسكري حيال إيران من أجل إرضاء الولايات المتحدة، وعلى أي حال لا تخرج أيضاً إلى حرب ضد "حزب الله” دون ضوء أخضر (لن يأتي) من البيت الأبيض. ولعلها هي الظاهرة الأكثر إقلاقاً.

الأمر الثاني الذي تعلمه "حزب الله” هو أن حكومة إسرائيل لا تفهم الواقع السياسي في لبنان، وعليه فإن الاستراتيجية التي لديها للتصدي له غير ذات صلة. قال مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع

لموقع "Breaking Defense” إنه عندما تعمل إسرائيل ضد "حزب الله” فإنها ستضرب "بنى تحتية حيوية كي تضغط سياسياً على "حزب الله””. ولكن مثلما رأينا في نهاية "حارس الأسوار”، فإن ضرب البنى التحية تفتح الصنبور لمليارات الدولارات. فضلاً عن ذلك، لا توجد جهة في لبنان تهدد "حزب الله”، لا سياسياً ولا عسكرياً.

فقدان الردع
في أعقاب نار الصواريخ نحو إسرائيل، نشرت أشرطة مسجلة تظهر دروزاً هاجموا طريقاً لـ”حزب الله” أطلق الصواريخ من قريتهم. اعتقل جموع منهم رجال الفريق واستولوا على جهاز إطلاق الصواريخ. ولكن بعد ثلاثة أيام من ذلك، أطلق زعيم الدروز وليد جنبلاط وقوات الجيش اللبناني سراح رجال الفريق، وأعادوا وسيلة الإطلاق لـ”حزب الله”. وقد فعلوا ذلك لسبب واحد بسيط، وهو أن "حزب الله” هو الحاكم في لبنان سياسياً وأمنياً.

في بداية الأسبوع، استضافت إيران قادة حماس والجهاد الإسلامي في طهران كي تزيد التنسيق الأمني بينهم وبين الحرس الثوري. وفرضية العمل لدى جهاز الأمن هي أن تهاجم حماس و”حزب الله” إسرائيل في الحرب القادمة من جبهتي الجنوب والشمال بالتوازي.

هناك طريق واحد قد يقلص احتمال الحرب، بل ويزيد احتمال نشوبها حين تكون يدنا هي العليا. إلغاء سياسة "لا مفاجآت” حيال واشنطن وعمل مبادرة – غير منسقة – من إسرائيل ضد إيران و"حزب الله” وحماس أو ثلاثتهم؛ وبالتوازي عمل عنيد للحفاظ على حقوق الملكية لليهود في القدس الموحدة وفي يهودا والسامرة في ظل حظر فتح قنصلية أمريكية في العاصمة. بكلمات أخرى: كل شي معاكس لما تفعله الحكومة. حكومة بينيت – لبيد هي حكومة متصالحة داخلياً تجاه عرب إسرائيل، ومتصالحة تجاه الخارج، حيال الولايات المتحدة وإيران.
بقلم: كارولين غليك
إسرائيل اليوم 13/8/2021