أفغانستان وتجدد أحلام الإرهابيين بسورية والعراق

موفق كمال

عمان- أجمع ضالعون في شؤون الحركات الإسلامية، أن لا خوف على الأردن في حال أحكمت طالبان سيطرتها على أفغانستان، إلا في حال فكرت الحركة بالتمدد خارج حدود الإمارة التي يزمعون تشكيلها.
كما رأوا أن زحف حركة طالبان بعد انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الناتو إلى عدة مدن أفغانية ودخول العاصمة الافغانية كابول، يظهر وجود تغير في استراتيجية التنظيمات الإرهابية، تتمثل بالسيطرة المحلية في حواضنها لحين إقامة الإمارة الاسلامية الأشمل، ذات الهوية المتطرفة والمصدرة للإرهاب، والتي ستكون بمثابة متنفس للتنظيمات المماثلة في سوريا والعراق وأفريقيا.
وتسعى حركة طالبان من السيطرة العسكرية على مدن أفغانية، إلى حكم أفغانستان بالكامل تمهيدا لإقامة الإمارة الاسلامية، وفي المقابل، من المرجح أن تكثف التنظيمات الارهابية، سواء في دول أفريقية او في العراق وسورية من عملياتها الإرهابية، لمحاولة استعادة السيطرة على مدن في تلك الدول وإقامة مشروع الإمارة الاسلامية، الذي كان تنظيم "داعش” الارهابي يسعى لتحقيقه في سورية والعراق وأفشله التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
وفي هذه الشأن يرى الخبير في التنظيمات الإرهابية حسن أبو هنية أن هناك تحولا في أولويات الحركات الجهادية، إذ لم تعد معنية بتنفيذ هجمات على دول اوروبية او اميركية، بل اصبحت أولوياتها فرض سيطرتها في بلادها، ومواجهة الأنظمة المحلية، كما تفعل حركة طالبان حاليا، التي تسعى لإقامة نظام حكم الإمارة الاسلامي في افغانستان، برضى أو موافقة الدول المجاورة او التي لم تواجهها في حملات مكافحة الإرهاب الدولية.
ويعرج أبو هنية الى اتفاقية وقعت في شباط (فبراير) الماضي بين حركة طالبان والولايات المتحدة الاميركية، تنص على "عدم استخدام الاراضي الافغانية في شن هجمات على الولايات المتحدة الأميركية”، لافتا الى أن هذا الاتفاق لا يشمل فك الارتباط بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة وانما منع الأخيرة من شن هجمات فردية.
ويضيف أنه جرى تكتيك جديد على نهج التنظيمات الجهادية، بحيث أصبحت تركز على الحكم المحلي كما هو دائر الان في أفغانستان وأفريقيا، سواء من تنظيم داعش او القاعدة، وفي العراق اصبح الامر كذلك، إذ إن التركيز في العمل العسكري ينصب على الشأن المحلي وليس العالمي، من دون شن هجمات كما كان عليه الحال سابقا في دول مجاورة او مناوئة لهذه التنظيمات.
على الصعيد المحلي يرى أبو هنية، أن هذه التنظيمات لا تعتبر الأردن أولوية بالنسبة لها حتى الآن، خاصة وأن الاردن ليس لديه حاضنة لهذه التنظيمات، كما ان وجودها على الساحة الاردنية متوفر على هيئة أفراد داخل السجون، وليس على شكل تنظيمات مسلحة تسيطر على مواقع جغرافية محددة كما الحال في دول مجاورة.
وبين ان المخاوف ستكون في حال أحكمت هذه التنظيمات سيطرتها واستولت على الحاكمية في بلدان أخرى لأنها قد تفكر بالتمدد لتحقق مشروعها في إقامة الإمارة.
ويؤيده بذلك خبير الاستراتيجيات الدفاعية اللواء المتقاعد مأمون ابو نوار، الذي قال إن هناك تكتيكا على المستوى الاستراتيجي والبرغماتي لحركة طالبان، حيث إن جولاتها التي نفذتها إلى روسيا والصين والهند لم تكن عبثا، بل القصد منها إضفاء الشرعية على الحركة التي كان لديها مخطط للاستيلاء على أفغانستان، مشيرا الى ان روسيا والصين وبعض الدول المجاورة لأفغانستان نفذت مناورات عسكرية لصد الهجمات الإرهابية سيما من تنظيم القاعدة، وفي الوقت ذاته فإن حركة طالبان لن تتعرض في هجومها العسكري الحالي لأي قوات أجنبية او مصالح أوروبية او أميركية على الاراضي الافغانية، حتى تتجنب معاداة تلك الدول.
ورجح أبو نوار وقوع حرب أهلية مقبلة في أفغانستان، مشيرا الى أن حركة طالبان بعد إحكامها السيطرة على كابول، سيكون هناك نزاع بينها وبين أمراء الحرب والقبائل، وبالتالي سيشترك تنظيم القاعدة في النزاع لصالح طالبان، مشيرا الى أن السيناريو المقبل هو عودة التنظيمات الإرهابية الى تحقيق حلم الامارة الاسلامية.
وبين أبو نوار ان هناك خطأ فادحا ارتكبته أميركا والناتو في انسحابهما من أفغانستان من دون الوصول الى تسوية سياسية ملزمة بين الأطراف المتنازعة، مشيرا الى أن القوات الامريكية التي أمضت نحو 20 عاما في إعادة بناء دولة افغانستان لم تحقق من هدفها أي شيء، فكيف من الممكن ان يحصل ذلك الآن من خلال التسويات والمفاوضات المقامة حاليا في الدوحة.
بدوره يستذكر مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب الدكتور سعود الشرفات، ما حدث منذ عقدين من هزيمة حركة طالبان وسقوط كابول وقندهار ومزار شريف أمام القوات الامريكية والقوات الأفغانية المتحالفة معها على خلفية هجمات 11 أيلول(سبتمبر) 2001، وإطلاق إدارة جورج بوش الابن الحرب العالمية على الإرهاب لملاحقة فلول تنظيم القاعدة وطالبان، وخسارة أمريكا مبلغ تريليون دولار في هذه الحرب الطاحنة.
ويضيف: "اليوم تعود طالبان للسيطرة على أفغانستان بالتزامن مع اقتراب ذكرى تلك الهجمات، ولن تحل هذه الذكرى خلال أيلول القادم إلا وحركة طالبان أكملت عودتها وسيطرتها وأعلنت
إمارتها الإسلامية مرة أخرى.
أما السيناريو المرعب والأكثر ترجيحاً، بحسبه، فهو تحول أفغانستان وبتسارع كبير إلى ساحة جديدة ونقطة جذب لتجميع الجماعات الإرهابية من السلفية الجهادية في العالم، من شمال أفريقيا الصحراء والساحل إلى سورية والعراق.
ويقول إنه في ظل ضغط التحالف الدولي لمحاصرة تنظيم القاعدة وهزيمة تنظيم داعش، يرجح أن تجد هذه التنظيمات الإرهابية متنفسا خلال الأشهر القادمة باللجوء إلى الإمارة الإسلامية الجديدة في أفغانستان.
ولا يستبعد الشرفات حدوث انقسامات وانشقاقات داخل القاعدة و”داعش”، على خلفية عودة طالبان وهروب عدد من القيادات الإرهابية المطلوبة أميركيا في سوريا والعراق إلى أفغانستان.
ويرى أن عودة طالبان ستشكل علامة فارقة ومؤكدة في مسيرة الجماعات الإرهابية في العالم، ومثالا عصريا ومعولما للكيفية التي تتحول بها الأطراف الفاعلة "ما دون الدولة” كالجماعات والمنظمات الإرهابية، إلى الانخراط في العملية السياسية والحوار والمشاركة، كما تشكل مصدر إلهام لكافة الجماعات والمنظمات الإرهابية والمتطرفة والأفراد الحالمين بالخلافة والامارة الإسلامية، الذين سيبدؤون بإعادة حساباتهم وترتيب أوضاعهم، وفي مرحلة لاحقة وسريعة سيشرعون بالتوافد إلى أرض الإمارة الإسلامية الجديدة مرة أخرى.
ويرجح أن يكون تنظيم القاعدة الحليف القديم للطالبان أكثر التنظيمات فرحا بهذا النصر، خاصة وأن التنظيم بايع سابقا طالبان، إذ أصدر فرع القاعدة في شبه القارة الهندية في 25 يونيو (حزيران) 2017 وثيقة بعنوان "مدونة السلوك” حدد فيها أيديولوجيته وأولوياته، وأوضح أنه ملزم ببيعة زعيم القاعدة أيمن الظواهري لزعيم طالبان الحالي هبة الله أخوند زاده، وأن "أهم هدف” للقاعدة هو دعم طالبان.
كما جاء في الوثيقة أن القاعدة في بلاد الرافدين تقاتل أعداء طالبان خارج أفغانستان، بينما تقاتل في الوقت نفسه إلى جانبها داخل البلاد، وحثت الجماعات الجهادية الأخرى على مبايعة أخوند زاده.
الغد