التعنت الاسرائيلي وغياب الرغبة بالسلام يعيق جهود إحياء المفاوضات

نادية سعد الدين

عمان- يقف التعنت الإسرائيلي عقبّة رئيسية أمام إحراز تقدّم في الجهود العربية والدولية المبذولة حالياً لإستئناف محادثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، مثلما تُنّذر أسباب داخلية وخارجية وازّنة ببقاء حالة الجمود السياسي الراهنة، ما لم تدفع الإدارة الأمريكية المُناصرة لحل الدولتين كلا الطرفين إلى طاولة المفاوضات مجدداً.
ويبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، اليميني "نفتالي بينيت”، يعطي الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة أولوية الاهتمام الرسمي أكثر من الذهاب إلى المفاوضات تحت وطأة الضغوط الأمريكية الثقيلة، تحسباً من خطوة تقديم "تنازلات” لتحقيق السلام ليس مضطراً عليها في المرحلة الحالية.
وقد نجحت الإدارة الأميركية، مؤخراً، في إقناع "بينيت” بإقرار تسهيلات "كبادرة حسن نية” لتحسين الأوضاع في قطاع غزة، وذلك بعدما باركت تشكيل لجنة اقتصادية فلسطينية – إسرائيلية مشتركة، والتي من شأن الاكتفاء بها اختزال السلام في الشق الاقتصادي فقط، عملاً بمنظور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، والذي يعتنقه أعضاء من اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
غير أن تلك التحركات المحدودة لم تستطع إحياء المفاوضات المنقطعة منذ العام 2014، طالما بقيت الحكومة الإسرائيلية مستمرة في سياستها الاستيطانية التهويدية المناقضة للسلام، وطالما ظلت القيادة الفلسطينية متمسكة بموقفها الحازم من ضرورة وقف الاستيطان والرعاية الأممية والدولية وبالمرجعية القانونية الدولية للعملية السلمية.
وبالرغم من الأجواء المُحفزة لعودة المفاوضات، إلا أن ثمة تحديات قد تعترض سلاسة إستئنافها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إذ إن تهديد الاحتلال المستمر بشن حرب موسعة في قطاع غزة، فضلاً عن تعثر مساعي تثبيت وقف إطلاق النار والتهدئة، فإن ذلك يعني أن اي جهود سلام يمكن أن تخرج عن مسارها فوراً.
كما أن سياسة الاحتلال الاستيطانية والتهويدية في مدينة القدس المحتلة، واستمرار انتهاكاته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، قد يؤجج الخلاف بين الطرفين وينسف أي انجاز قد تحقق عند دفعهما نحو طاولة المفاوضات مجدداً بعد انقطاع طويل.
ويدخل ضمن الأسباب التي قد تشكل عوامل مُحبطة لنجاح اسنئناف المفاوضات مسألة انقسام الحكومة الإسرائيلية حول "حل الدولتين”، فقد أفصح "بينيت” عن موقفه بوضوح برفض إقامة الدولة الفلسطينية، بينما اكتفى أعضاء قلائل في حكومته بقبول حكم ذاتي فلسطيني منزوع السلاح والسيادة ومعني بالشؤون الحياتية للسكان فقط.
وبالرغم من تأكيد الرئيس الأميركي، جو بايدن، لدعم حل الدولتين سبيلاً للسلام في المنطقة، إلا أن إدارته لم تضع حتى الآن خطة سلام واضحة لتحقيق ذلك.
أما الإشكالية الأكبر فتكمن في غياب رؤية موحدة عند طرفيّ الصراع للجهة الراعيّة وللمرجعية الأساسية للتفاوض؛ إذ يرفض الجانب الفلسطيني الرعاية الأميركية المنفردة لعملية السلام ويطالب بعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، خلافاً لموقف الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض دخول أي طرف دولي غير الولايات المتحدة في العملية السياسية.
وفي حين يعتبر الموقف الفلسطيني مبدئياً وثابتاً من ناحية المرجعية التفاوضية التي يتوجب استنادها، بحسبه، إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي لجهة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق حدود العام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، وهي نفسها التي أقرتها المبادرة العربية للسلام في العام 2002.
غير أن ذلك يتقاطع سلباً مع الموقف الإسرائيلي الذي يرفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، ويرفض وقف الاستيطان وتقسيم القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وهي نفس القضايا التي تسببت في فشل مسار التفاوض وانقطاعه منذ العام 2014.
ويشكل غياب القيادة الإسرائيلية القوية القادرة على اتخاذ قرار السلام إحدى أبرز العقبات الرئيسية أمام تحقيق تقدم في مسار المفاوضات طيلة السنوات السابقة، ففي ظل الانقسامات السياسية العميقة بين اليمين واليسار في المشهد الإسرائيلي الداخلي، فإن مصير الحكومة الإسرائيلية سيبقى على المحك، بينما يشكل تمرير الميزانية العامة في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، أكبر اختبار لقدرتها على التحمل وعدم الانهيار.
حكومة إسرائيلية لا تريد السلام
يرى أمين سر المجلس الوطني الفلسطيني، محمد صبيح، في حديث لـ”الغد”، أن التعنت الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق حدود العام 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، شكل سبباً رئيساً لوقف مسار التفاوض حدّ انقطاعه في العام 2014.
بينما جاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ليطيح بعملية السلام نهائياً، وفق صبيح، وذلك عند اتخاذه جملة قرارات واجراءات تعبّر عن الانحياز الأميركي المطلق للاحتلال على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
وقال صبيح، وهو الأمين العام المساعد سابقاً لجامعة الدول العربية، نحن الآن أمام وضع جديد، إذ هناك قيادة وإرادة أميركية تطالب بحل الدولتين وتبدي بعض المرونة في التعامل مع الجانب الفلسطيني، وتحاول في موضوع القدس ايجاد نوع من التهدئة عبر قرار إعادة فتح القنصلية الأميركية بالقدس.
ونوه إلى وجود محاولات للعودة إلى المفاوضات، مبيناً أن الوطن العربي قبل بمبادرة السلام واعتبرها خياراً استراتيجياً لتحقيق السلام في المنطقة، كما أن هناك تفاهمات وتعاوناً كبيراً بين القيادتين الأردنية والفلسطينية، حيث يتخذ الأردن دوماً مواقف مؤيدة وداعمة للحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وأوضح صبيح بأن الجانب العربي لا يزال على عهده في تبني المبادرة العربية للسلام والتوجه للذهاب إلى المفاوضات لتحقيق السلام، لكن المشكلة تكمن في فكر نتنياهو الذي ما يزال يحكم العقلية الإسرائيلية الرسمية.
ولفت إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية وسياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي والاسيتطان والقتل والقهر لا تنم مطلقاً عن حكومة لديها استعداد للسلام.
وبيّن أن ثمة تلميحات إسرائيلية تشي بموافقة بعض المسؤولين لدولة فلسطينية، ولكنهم لا يتحدثون عن أي اطار يقصدون، كما لا يوجد أي متغير في الحكومة الإسرائيلية يُجسد ذلك، فضلاً عن أنه بالرغم من تأييد الإدارة الأميركية لحل الدولتين، ولكنها تصدر إشارات على إستحياء للتعبير عن وقوفها ضد الاستيطان.
وبالمثل؛ رأي عضو المجلس الوطني الفلسطيني، اللواء الدكتور خالد مسمار، لـ”الغد” إن السبب الرئيسي في تعثر جهود السلام يكمن في التعنت الإسرائيلي، إزاء حكومة إسرائيلية أكثر يمينية وغلواً من سابقتها، حيث يعد هدفها الأساسي المضي قدماً في سياسة الاستيطان والتهويد على حساب الدم الفلسطيني، فهي لا تريد السلام ولا يوجد توجه سلامي لديها.
وقال مسمار أنه لا يوجد أي شيء معروض حالياً على الجانب الفلسطيني، معتبراً أن المطلوب تنفيذ ما اتفق عليه أو البدء مما تم الانتهاء إليه في التفاوض الأخير.
وأضاف أنه بالرغم من أن موقف إدارة بايدن مختلف عن سابقه، من حيث عودة العلاقات مع السلطة الفلسطينية واتخاذ عدة خطوات تشي بذلك، ولكنها لا تضغط على الاحتلال، فهناك صمت أميركي مطبق أمام الاستيطان الإسرائيلي مما يضع علامة استفهام.
وقال إن الرئيس محمود عباس أكد الاستعداد للذهاب إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الوضع القائم، لكن الاحتلال يرفض كل شيء.
وانتقد غياب الضغوط الفاعلة من المجتمع الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، مؤكداً في نفس الوقت أهمية الموقف الأردني الداعم والمؤيد للقضية الفلسطينية.
ونوه إلى أن الرئيس عباس سيخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، بما يستدعي أهمية اتخاذ موقف حازم تجاه السياسة الإسرائيلية الإجرامية ضدّ الأرض والشعب الفلسطيني، مؤكداً ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام في مواجهة عدوان الاحتلال.
الغد